للمرة الأولى منذ وقت طويل يبدو أن التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة قد يبدأ في التباطؤ بعض الشيء. وعلى أي حال، أينما نظرنا مؤخراً، نجد أخباراً مؤسفة، مثل حقيقة أن الاقتصاد لم يُضف سوى 75 ألف وظيفة في مايو الماضي، دون توقعات الخبراء بإضافة 180 ألفاً، كما أنه بعد إجراء مراجعات حديثة، اتضح أنه أضاف وظائف أقل بمعدل 75 ألف وظيفة في كل من مارس وأبريل. وعلاوة على ذلك، لم تتحسن حصة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً، أي من ينبغي أن يكونوا في ذروة سنوات عملهم، في سوق العمل خلال الشهر الماضي أيضاً، كما هي الحال خلال الأشهر السبعة السابقة. وفوق كل ذلك، تباطأ نمو الأجور مقارنة ببداية العام.
ويشي ذلك كله بأنه إذا كان هناك قدر من التعافي الاقتصادي، الذي ظهر أثره بوتيرة ثابتة أثناء التراجعات المالية وأزمات الديون الأوروبية وتراجع النمو الصيني، فلربما لن يمضي وقت طويل حتى يتغير مساره. أو على الأقل هكذا تخبرنا الأرقام. وقد كان من الممكن أن نتسامح مع ذلك على الأقل، لو أن نمو الوظائف تباطأ في وقت ترتفع فيه الأجور. وهذا ما كنا سنتوقع حدوثه عندما يجد معظم من يرغب في وظيفة عملاً، لاسيما عندما يكون معدل البطالة عند أدنى مستوياته في نحو 50 عاماً. لكن على رغم من ذلك ليس هذا ما نراه. وإنما نجد أن هناك نمواً ضعيفاً في الوظائف بالتزامن مع نمو ضعيف للأجور. بيد أن ذلك لا يعني أن الركود وشيك أو ربما حتمي، وإنما يشي ذلك بأمرين مهمين: الأول: أن التعافي يحتاج إلى مزيد من المساعدة في الوقت الراهن، والثاني: أن معدلات البطالة يمكن أن تنخفض بدرجة أكبر إذا قدمنا الدعم اللازم.
لكن لا ينبغي أن يكون أي من ذلك مفاجئاً؛ فمن المهم أن ندرك أن هناك تقريران للوظائف يصدران كل شهر، أحدهما مرتبط بعدد الوظائف التي أضافتها الشركات أو قلّصتها، والآخر مرتبط بعدد من يعملون داخل كل أسرة. لكننا نستخدم التقرير الأول لحساب عدد الوظائف الرسمي، لأنه على رغم من أن كلا التقريرين مربكان بدرجة ما، فإن التقرير الثاني أكثر تشويشاً بسبب أعداد المراهقين الذين يوشكون على الالتحاق بسوق العمل. بيد أنه ينبغي أن يبدو كلا التقريرين متقاربين إذا ما تمت مراجعتهما على فترات طويلة كافية من الوقت، لاسيما أنهما يقيسان الأمر عينه. وعادة ما يكون ذلك التقارب موجوداً، لكن لم يعد كذلك منذ بعض الوقت. فالتقرير الخاص بالشركات يظهر أن نمو الوظائف تراجع من 230 ألف وظيفة شهرياً خلال العام الماضي إلى نحو 175 ألف وظيفة في الوقت الراهن، بينما يظهر تقرير الأسر مزيداً من الانخفاض إلى 75 ألف وظيفة فقط شهرياً، بل ويوضح أن الاقتصاد الأميركي لم يُضف سوى 64 ألف وظيفة إجمالاً خلال الأشهر الأربعة الأخيرة.
والحقيقة أن الأمور ليست سيئة مثلما يشير تقرير الوظائف المرتبط بالأسر، وبالأحرى ليست جيدة مثلما يشي تقرير الشركات. وكما هي الحال دائماً، تكمن الحقيقة في المنتصف. ولهذا السبب كان ينبغي أن نتوقع انحسار توقعات أرقام تقرير الوظائف الخاص بالشركات مقارنة بما هي عليه في الوقت الراهن. ومن جانبهم، فعل المستثمرون في السندات ذلك. فبدفعهم تكاليف القروض طويلة الأجل إلى الانخفاض مقارنة بتكاليف القروض قصيرة الأجل، كانوا يشيرون إلى أنهم يعتقدون أن البنك المركزي الأميركي سيقلص قريباً أسعار الفائدة لمواجهة ما يخشون أن يكون تراجعاً اقتصادياً وشيكاً.
وجزء من ذلك ناجم عن حرب ترامب التجارية، لكن البقية نتيجة لشعور بأنه بينما لا تزال أسعار الفائدة الحالية منخفضة بالمعايير التاريخية، فربما ينبغي ألا تكون كذلك بالمعايير الراهنة.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»