وسط تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة ودول أخرى الضغط على إيران اقتصادياً وسياسياً، بدأت طهران باستعراض قدرتها على المناورة في مواجهة هذه القوى، مستخدمةً أذرعها العسكرية في مواجهة خصومها، دون أن تدخل معهم في مواجهة مباشرة، حيث تواردت أخبار عن طلب إيران من وكلائها المحليين في المنطقة الاستعداد لخوض حرب بالوكالة. والتساؤل المطروح هو: ما الذي تنوي إيران فعله بهذه المليشيات؟ وما مصيرها في بلدانها الأصلية؟
تركز التقارير الإعلامية على خطر «الدواعش» العائدين إلى بلادهم بعد الحرب في سوريا، متجاهلةً الخطر الآخر متمثلا في المليشيات الطائفية التي قاتلت إلى جانب القوات النظامية السورية، والتي عاد معظمه من سوريا فيما لا يزال بعضها يقاتل في سوريا.
وننطلق في هذا المقال من خبر استدعاء إيران لوكلائها في سوريا وعودة 10 آلاف مقاتل من لواء «فاطميون» إلى أفغانستان، للحديث عن الدور الإيراني في إعادة تشكيل الدول والمجتمعات من خلال وكلائها المحليين في مناطق الصراعات المحلية، أي الحديث عن توسع إيران في الشرق الأوسط عبر الاستعانة بالمليشيات الطائفية وباستنساخ نموذج «حزب الله» اللبناني.
لقد زادت التدخلات الإيرانية في المنطقة منذ اندلاع الحرب السورية قبل ثماني سنوات، حيث شكلت إيران شبكةً من المليشيات القادمة من العراق وباكستان وأفغانستان للقتال إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد، وحيث يقاتل أيضاً «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني إلى جانب قوات الأسد منذ عام 2013، كما أشرف على تجنيد مليشيات أجنبية، أبرزها «لواء فاطميون» الأفغاني و«لواء زينبيون» الباكستاني و«حزب الله» اللبناني، إلى جانب المليشيات العراقية مثل «فيلق بدر» و«كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء». ورغم الاعتقاد بأن نموذج «حزب الله» في لبنان مثّل وضعاً استثنائياً فإن استنساخه في اليمن بحركة «أنصار الله» الحوثية والاستيلاء على صنعاء، جعل منه نموذجاً قابلا للاستنساخ من قبل مليشيات أخرى، لكن وكلاء إيران في النهاية لا يأتون فقط ليقاتلوا ومن ثم يعودوا إلى ديارهم، فثمة أدوار أخرى لهذه المليشيات في أزمنة السلم كما في أزمنة الحرب.
لقد عملت إيران في اليمن والعراق ولبنان على استغلال الفوضى وملء الفراغ، فسعت لاكتساب الشعبية لوكلائها المحليين عبر توفير بعض الخدمات للسكان مستميلةً المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية المحلية، فيما ساهم «فيلق القدس» الذي يشرف على هؤلاء الوكلاء المحليين في التدريب العسكري وتقديم الأسلحة خلال الحرب. وتعمل إيران على تحويل المليشيات في زمن السلم إلى كيانات سياسية تحكم الدول التي دمرتها الحرب، كلبنان والعراق واليمن وأفغانستان، بوصفها بيئات خصبة لاستنساخ نموذج «حزب الله» في المرحلة الانتقالية من الحرب إلى السلم. وفي مرحلة تشكيل الحكومات في هذه الدول تريد إيران أن يكون لها ولوكلائها المحليين التأثير الأكبر، وذلك إثر سنوات من الاستثمار في تدعيم مليشياتها بشبكات اجتماعية ودينية تأسست خلال الحرب، ومن خلال الدعاية السياسية المكثفة والدعم التقني، حيث تعمل إيران على تضخيم وكلائها سياسياً في مواجهة ضعف خصومهم المحليين، وفي النهاية السيطرة على المؤسسات الرسمية لهذه الدول، وهذا أهم هدف للسياسة الإيرانية على المدى الطويل.
وبعد انتهاء الحرب في سوريا تأمل إيران أن تبدأ العمل على إعادة تشكيل الدولة والمجتمع هناك، وفقاً لمصالحها وأيديولوجيتها، لتصبح المليشيات الطائفية جزءاً من المشهد السياسي السوري ما بعد الحرب، جزءاً يشكل مستقبل الدولة السورية كما حدث في العراق ولبنان وتجري محاولة استنساخه في اليمن وأفغانستان، بل في الشرق الأوسط بأكمله.