بمرور كل دقيقة، يسقط 44 شخصاً مرضى بسبب طعام أو شراب ملوث تناولوه، وهو ما يترجم في النهاية إلى 23 مليون حالة إصابة بالتسمم الغذائي سنوياً، يتوفى منهم 4700 شخص. هذه الأرقام والبيانات، ليست صادرة عن دولة آسيوية، أو إحدى مناطق القارة الأفريقية، بل هي نتاج الإحصائيات الصادرة عن تقرير «العبء المرضي للأمراض المنقولة بالغذاء» في دول المنطقة الأوربية، والتي تتضمن دولاً تتمتع بأفضل وأرفع مستويات السلامة الغذائية على مستوى العالم. ورغم ضخامة الأرقام سابقة الذكر، يعتقد البعض أنها تعبّر فقط عن قمة جبل الجليد، وأن ما خفي أعظم، بناءً على أن الرقم الحقيقي لحالات الإصابة غير معروف بدقة.
ولا يختلف الوضع كثيراً في الولايات المتحدة، حيث تقدر مراكز التحكم في الأمراض والوقاية (Centers for Disease Control and Prevention)، إصابة 48 مليون أميركي سنوياً بأحد أنواع الأمراض المنقولة بالغذاء، تتطلب شدة مرض نحو 130 ألفاً منهم الحجز في المستشفيات، ويلقى أكثر من 3 آلاف منهم حتفهم في النهاية. ومن المنظور العالمي، تقدّر الإحصائيات إصابة 600 مليون شخص سنوياً، بنوع أو آخر من أنواع الأمراض المنقولة بالغذاء. وبخلاف الثمن الإنساني المتجسد في مئات الملايين من الإصابات، والتي تنتج عنها مئات الآلاف من الوفيات، تفرض أيضاً هذه الطائفة من الأمراض كلفةً اقتصاديةً باهظةً. ويتضح حجم هذه الكلفة من حقيقة كون الأمراض المنقولة بالغذاء تكلف اقتصادات الدول منخفضة ومتوسطة الدخل 100 مليار دولار سنوياً على الأقل، وفي 28 من هذه الدول تزيد الخسائر الاقتصادية السنوية على 500 مليون دولار، في بعض من أفقر دول العالم، وفق دراسة صدرت سابقاً عن البنك الدولي.
هذه الحقائق المفزعة، والوضع المزري إجمالا فيما يتعلق بالسلامة الغذائية، تم استعراضه ضمن فعاليات اليوم العالمي الأول للسلامة الغذائية (World Food Safety Day)، الجمعة الماضي، بعد أن تم التوصل إلى اتفاق بين الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي، على أن يكون السابع من شهر يونيو من كل عام يوماً عالمياً للسلامة الغذائية، يتم إحياؤها سنوياً من خلال تسليط الضوء على هذه القضية وزيادة الوعي بأبعادها المختلفة ومخاطرها الكبيرة، لاسيما أنها تعد في الوقت الحالي واحدة من أهم قضايا الصحة العامة على المستوى الدولي.
وتأتي فعاليات اليوم العالمي الأول للسلامة الغذائية هذا العام، في أعقاب المنتدى الدولي لسلامة الغذاء والتجارة، والذي عقد في الأسبوع الأخير من شهر أبريل بمدينة جنيف السويسرية، وبحضور أكثر من 600 شخصية من متخذي القرارات وصناع السياسة العامة، وممثلي الجهات الحكومية والرسمية وباقي منظمات المجتمع المدني على المستويات الوطنية والدولية.. حيث تم طرح ومناقشة الجوانب المتعلقة بالتجارة وتبادل السلع بين دول العالم وما يتصل بموضوع السلامة الغذائية في مجال التبادلات التجارية والسلعية. وقد سعى ذلك المنتدى إلى تحقيق هدفين رئيسيين، أولهما: تحديد وتعريف الإجراءات والتدابير والاستراتيجيات القادرة على مجابهة التحديات الحالية والمستقبلية في مجال السلامة الغذائية، على المستوى الدولي. وثانيهما: حشد الدعم والمساندة الكافيين من أعلى الدوائر السياسية في مختلف دول العالم وأقاليمه، للارتقاء بمستوى نظم السلامة الغذائية ضمن أجندة 2030 للتنمية المستدامة.
وفي ظل حقيقة أن احتياجاتنا وإمداداتنا الغذائية أصبحت معولمة بشكل متزايد، فقد تزايدت كذلك المخاطر الغذائية التي أصبحت تهدد صحتَنا وحياتَنا. وهو ما حدا بمنظمة الصحة العالمية، ضمن استراتيجيتها الدولية لخفض العبء المرضي الناتج عن الأمراض المنقولة بالغذاء، لتحديد خمس رسائل صحية بسيطة، مبنية على الأدلة العلمية، يجب أن يدركها ويعيها كل من يحتل موقعاً في سلسلة الإمداد الغذائي، بداية من المنتجين، مروراً بالموزعين والبائعين، ونهاية بالمستهلكين. وتشرح هذه الرسائل الخمس، والتي يطلق عليها المفاتيح الخمسة للسلامة الغذائية، وتطبقها حالياً أكثر من 100 دولة، المبادئ الأساسية التي يجب على كل شخص أن يكون على دراية تامة بها لتحقيق أعلى قدر من السلامة الغذائية للجميع.
وجدير بالذكر أن الطعام المحتوي على جراثيم مرَضية، مثل البكتيريا، أو الفيروسات، أو الطفيليات، أو المواد الكيميائية الضارة، يتسبب في أكثر من 200 مرض وعلة، بداية بالإسهال، مروراً بالتسمم الغذائي الحاد، ونهاية بالأمراض السرطانية. ومن بين أنواع وأشكال الأمراض المنقولة بالغذاء، تعتبر المجموعة المعروفة بأمراض الإسهال من أكثرها انتشاراً، حيث تصيب أمراض هذه المجموعة 550 مليون شخص سنوياً، يلقى 230 ألفاً منهم حتفهم كل عام. وللأسف الشديد، يتحمل الأطفال دون سن الخامسة العبء الأكبر من الأمراض المنقولة بالغذاء، أو نسبة 40 في المئة بالتحديد، حيث يتوفى 125 ألفاً كل عام من أفراد هذه الفئة العمرية، وذلك بسبب مرض انتقل إليهم مع غذائهم.