في نهاية الأسبوع الماضي، وبينما اجتمع كبار القادة الأمنيين الوطنيين لآسيا في أحد فنادق سنغافورة من أجل مناقشة سبل تدبير الديناميات الأمنية القومية الدقيقة للمنطقة وتجنب النزاعات، كان المسؤولون الصينيون يومئون برؤوسهم مع الآخرين اتفاقاً. ولكن بالتوازي مع ذلك أقدم «جيش التحرير الشعبي» الصيني، في المنطقة، على خطوة عملاقة لتعزيز توسعه العسكري. مفارقة تُبرز بشكل جيد كيف تتحدث الولايات المتحدة كثيراً عن التزاماتها تجاه آسيا، بينما تتحرك بكين بسرعة لتغيير الحقائق على الأرض.
«حوار شنجريلا»، الذي يديره «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، هو أبرز مؤتمر أمني في آسيا كل سنة، وتتميز الجلسات العامة لهذا المؤتمر بحضور ومشاركة كبار المسؤولين عن الدفاع وقادة من أكثر من 20 بلداً آسيوياً. وقد كانت أروقة المكان الذي احتضن المؤتمر تعج بالجنرالات والأميرالات والمسؤولين الحكوميين والمشرّعين وخبراء مراكز الأبحاث – وحتى بعض الصحفيين.
وأثناء انعقاد هذا المؤتمر، أكد لي مسؤول أميركي في مجال الدفاع أن الجيش الصيني اختبر صاروخا باليستياً جديداً يطلق من الغواصات، صاروخاً يزيد بشكل مهم من قدرة الصين بخصوص الردع النووي على الصعيد العالمي. والرسالة كانت واضحة ومفادها أن بكين لا تتحدث وحسب، ولكنها تعمل فعلياً على تغيير الوضع القائم.
وزير الدفاع الأميركي بالإنابة «باتريك شانهان»، وهو أحد المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر، ألقى خطاباًَ معتدلاً ومتوازناً وقال: «أرى أنه ما زال باستطاعة الصين نسج علاقة تعاون مع الولايات المتحدة. ومن مصلحة الصين فعل ذلك»، مضيفاً: «إن الصين يمكن وينبغي أن تكون لها علاقة تعاون مع بقية المنطقة أيضاً».
وقال خبراء إن «شانهان» أبلى بلاء حسناً عموماً من خلال بعثه برسالة متوازنة. ولكن تعليقاته كانت غير موفقة أحياناً، على غرار ما حدث في حصة الأسئلة والأجوبة حينما قال إنه لا توجد «حرب تجارية» بين الصين والولايات المتحدة.
وخلال «حوار شنجريلا»، أطلق وزير الدفاع الصيني «وي فينغ» هجوماً كاملاً على السياسة الأميركية ودافع عن كل شيء قامت به الحكومة الصينية. وقال: «إذا أرادت الولايات المتحدة الحوار، فإننا سنبقي على الباب مفتوحاً»، مضيفاً: «وإذا أرادوا قتالاً، فإننا سنقاتل حنى النهاية».
ولعل الخطاب الأكثر إثارة للاهتمام في «حوار شنجريلا» هو ذاك الذي ألقاه رئيس الوزراء السنغافوري «لي هزين لونج» فقد اتخذ موقفاً محايداً، داعياً كلاً من بكين وواشنطن لتجنب النزاع الذي من شأنه أن يؤثر على الدول الصغيرة في المنطقة. ونقل عن والده «لي كوان يو» قولته: «عندما تتعارك الفيلة، يسحق العشب، وعندما تتزاوج الفيلة، يعاني العشب أيضاً».
ولكن عدداً من المسؤولين والخبراء الأميركيين قالوا لي إنهم استاؤوا من «المساواة الخاطئة» بين الأعمال الأميركية والصينية في المنطقة. وبدا أن «لي لرنج» ينتقد بشكل مبطن مقاربة إدارة ترامب التي تميل إلى المواجهة والصدام مع الصين.
وقال «لي»: «إن على البلدان أن تدرك أن الصين ستواصل النمو وتنمية قدراتها، وأنه ليس من الممكن أو من الحكمة أن تقوم هذه البلدان بعرقلة حدوث هذا الأمر»، مضيفاً: «والولايات المتحدة، كونها القوة المهيمنة، هي التي ستواجه أكبر قدر من الصعوبة في التأقلم مع هذا الوضع».
ويرى «جوردون فلايك»، المدير التنفيذي للمركز الأميركي الآسيوي بجامعة «ويسترن» أستراليا، أن بلدان جنوب شرق آسيا كانت في السنوات الأخيرة تقف مع الولايات المتحدة في الدفاع عن النظام الدولي، ولكن هذه السنة يبدو أن هذه البلدان لا ترغب سوى في النأي بنفسها عن الصراع بين واشنطن وبكين. وقال: «في السنوات الماضية، كنا نتحدث عن المنطقة ككل. أما هذه المرة، فقد عدنا ببساطة إلى صراع لا طائل منه بين العملاقين»، مضيفاً: «وهذا أمر يمكن تفهمه، ولكنه مؤسف».
الحلفاء الإقليميون يرون إدارة ترامب انسحبت من «الشراكة العابرة للمحيط الهادئ»، ورئيساً أميركياً لم يحضر القمم الدبلوماسية الآسيوية الكبرى العام الماضي، ووزارة خارجية أميركية ليس لديها مساعد لوزير الخارجية مكلف بشؤون شرق آسيا. وفي سنغافورة، لم ترشح الوزارة أي أحد لشغل منصب سفير الولايات المتحدة الشاغر.
وفي الواقع، ما زالت ثمة هوة بين الاستراتيجية الأميركية في آسيا والموارد اللازمة لتطبيقها وإنجاحها. ولهذا، يجب على إدارة ترامب أن تبذل مزيداً من الجهود لتوحيد صف الحلفاء والشركاء.
ولا شك أن البلدان الآسيوية يجب ألا ترغَم على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين. ومهمة الولايات المتحدة، بالتالي، هي مساعدة الدول الصغيرة على الحفاظ على حريتها وسيادتها. ولهذا، يجب على إدارة ترامب أن تكثّف حضورها في آسيا – وليس فقط بمناسبة المؤتمرات الكبرى.
*كاتب أميركي متخصص في الأمن القومي والسياسة الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»