الصين أصبحت أقل جاذبية لبعض شركات التصنيع مع تصاعد الرسوم في الحرب التجارية الصينية الأميركية. والنزاع بين الولايات المتحدة والصين قد يقلص النمو الاقتصادي عالمياً. لكن هناك علامات تشير إلى أن هذه الحرب قد تكون من حسن طالع الاقتصاديات النامية، في المكسيك وجنوب شرق آسيا، حيث تمثل التجارة محرك رخاء مهماً لها بشكل خاص. وتفكر شركات كثيرة تنتج بضائع تمتد من الأزياء إلى الآلات والإلكترونيات، في تغيير سلاسل الإنتاج والإمداد، كلياً أو جزئياً، لتكون بعيدةً عن الصين لتفادي الرسوم المتزايدة.
ويرى خبراء أنه حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق تجارة ثنائي، فمن غير المتوقع أن يحل تماماً التوترات الصينية الأميركية، ولذا قد تستمر عملية إعادة التوازن الجغرافي للتصنيع العالمي تلك. ويؤكد جون كولي، وهو خبير في قوانين التجارة في شركة «بيكر مكينزي» القانونية في هونج كونج، أنه «كانت هناك بالفعل شركات كثيرة تفكر في هذا (نقل نشاطها)، والحرب التجارية الحالية تعطيهم دفعة أخيرة للتحرك». وذكر كولي أن شركات التكنولوجيا والآلات والصناعة الكيماوية المتضررة من الرسوم الأميركية، تقوم بهذه التحركات، وبعضها يتوقع أن يتبعها مع اتساع نطاق الرسوم الأميركية. والدول النامية في آسيا تشهد تصاعداً في الاستثمار، وهو مؤشر آخر على أن الشركات تنقل مقرات إنتاجها. فالاستثمارات الأميركية والصينية في مشروعات جديدة ارتفعت في الدول الآسيوية النامية الأخرى خلال عام 2018 الذي تزايدت فيه الاستثمارات الصينية في هذه البلدان بما يقرب من ثلاثة أضعافها وارتفعت الاستثمارات الأميركية بنسبة 71%، وفقاً لبنك التنمية الآسيوي.
ويتوقع اقتصاديون وخبراء تجارة أن تستمر هذه التوجهات بعد أن أصبح النزاع بين الولايات المتحدة والصين أمراً واقعاً. ويرى مدير قسم الأبحاث والتعاون الإقليمي في بنك التنمية الآسيوي أنه «في المدى الطويل، إذا استمر الصراع، قد نشهد تزايداً في إعادة توجيه التجارة والإنتاج بعيداً عن الصين نحو دول أخرى ليست خاضعة للرسوم. تأثيرات هذا التحويل للتجارة والإنتاج سيكون إيجابياً لباقي آسيا النامية».
وتوصل مسح أُجري في الآونة الأخيرة على شركات أميركية تعمل في الصين عام 2018 إلى أن خمس الشركات انتقل أو يفكر في نقل قدراته الإنتاجية خارج الصين. وذكرت الشركات أن دافعها الأبرز هو الرسوم الأميركية على البضائع المصدرة من الصين وارتفاع الكلفة والتوقعات لنمو أبطأ وفقاً لمسح بشأن أجواء الأعمال نشرته غرفة التجارة الأميركية في الصين خلال فبراير الماضي. وهناك 40% من بين الشركات ستنقل نشاطها إلى آسيا النامية و11% إلى آسيا المتقدمة و10% إلى المكسيك. فقد ارتفع فائض التجارة المكسيكي السنوي مع الولايات المتحدة بنسبة 15% إلى رقم قياسي مرتفع يبلغ 82 مليار دولار عام 2018، وبعض المصنعين الصينيين بدؤوا ينقلون نشاطهم إلى المكسيك فراراً من الرسوم الأميركية.
وتؤكد ماري لافلي، أستاذة الاقتصاد في جامعة سيراكوز الأميركية، أن إنتاج الأحذية والملابس ولُعب الأطفال وغيرها من الصناعات العادية، تنتقل من الصين إلى فيتنام ودول أخرى، وهذا يرجع في جانب منه إلى ارتفاع الأجور في الصين. لكنها ترى أن انتقال إنتاج البضائع متوسطة المستوى، مثل أجهزة الكمبيوتر، إلى خارج الصين، سيكون أصعب لأنها تحتاج إلى معرفة أعلى والصين لديها قوة عمل كبيرة وشابة نسبياً ومتعلمة تتفوق بها على باقي آسيا.
والشركات الأميركية في الصين تتضرر أيضاً من حرب التجارة لأنها عرضة لدفع أموال أكبر مقابل الواردات الأميركية وللمنتجات المصدرة إلى الولايات المتحدة. ورفع أسعار البيع سيضر بقدرتها التنافسية. وهذا مهم لأن الشركات المملوكة للأغلبية في الصين المتشعبة عن المشروعات الاقتصادية الأميركية متعددة الجنسية تبيع سلعاً وخدمات في السوق المحلية الصينية بما بلغ 286 مليار دولار (إحصاءات 2016) وهو أكبر بكثير مما تصدره الولايات المتحدة من سلع وخدمات إلى الصين، والذي بلغ 170 مليار دولار في العام نفسه.
ويؤكد اقتصاديون أن حروب التجارة مضرة اقتصادياً عموماً وخاصة بالدول التي تشنها. فالتجارة تعزز ثروة الدول بقياس الإنتاج المحلي الإجمالي. والتجارة تسمح بانتقال الموارد عبر الحدود ليجري استغلالها بكفاءة. وحين تفرض قيود على التجارة فإن مثل هذه الرسوم- أي الضرائب على الواردات- تقلص الإنتاج المحلي الإجمالي.
ويتوقع بنك التنمية الآسيوي أن تتضرر الولايات المتحدة والصين اقتصادياً إذا ظل العمل بالرسوم الحالية لما تبقى من عام 2019 وعام 2020. ويتوقع البنك أيضاً أن تكون الصين أكثر تضرراً، حيث يتقلص إنتاجها المحلي الإجمالي بنسبة 1.03% ، بينما يقل الإنتاج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 0.20% عما كان من الممكن أن يكون عليه بغير فرض رسوم. ويتوقع أيضاً أن يتقلص الإنتاج المحلي الإجمالي على مستوى العالم بنسبة 0.15%. والتقلص في الإنتاج المحلي الإجمالي يعني فقدان بعض فرص العمل. ويتوقع أن تفقد الصين 1.76 مليون فرصة عمل وتفقد الولايات المتحدة 194 ألف فرصة عمل في عامي 2019 و2020 وفقاً للتصور الذي يستشرفه البنك الآسيوي للتنمية.

*كاتبة صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»