تعرف الجائزة في معناها اللغوي بـ«العطية» أو «الهبة»، سواء أكانت مشروطة بأداء عمل أم لا. ومع تعقّد الحياة واتساع مجالات البحث العلمي، صارت «الجائزة» تعني المكافأة على إنجاز إبداعي، وهدفها -بالمحصلة- خلق روح المنافسة وإطلاق المواهب لدى المبدعين في كافة حقول العلوم والآداب والاجتماعيات من خلال تركيزها على العمل وإبراز مواطن العلم أو الجمال فيه، وصولا إلى أكبر عدد من المتلقين، بما يسلط الأضواء على المبدعين من خلال تكريمهم، ويكرس مكانتهم ضمن المشهد العلمي والثقافي، فضلاً عن أنها تمثل اعترافاً بقيمة الإبداع ودوره في الحياة. وفكرة الجوائز اعتمدتها الدول المتقدمة أسلوباً من أساليب تطوير فنونها وآدابها وعلومها.
وتبعاً للإحصاءات، فقد بلغ عدد الجوائز المعروفة في العالم 500 جائزة تقريباً. ولقد اعتمد ذلك التعداد على جملة من الأسس، كالاستمرارية، والمنهج الواضح المعلن، فضلاً عن مكانة الجائزة، وأصالتها، وشهرتها دولياً وإقليمياً وقطرياً. ولقد تباينت تصنيفات تلك الجوائز بتباين أهدافها وغاياتها وتطلعاتها، فظهرت جوائز متخصصة نوعاً ما، كتلك التي تمنح في تخصص علمي دقيق، أو لجنس أدبي بعينه كالرواية، أو القصة القصيرة، أو المسرح. وثمة جوائز تقتصر على إقليم أو بلد بعينه، أو مخصصة للناطقين بلغة ما، وهناك في المقابل جوائز لا تضع قيوداً جغرافية أو لغوية، وهي تمنح في حقول العلوم البحتة أو الدراسات الإنسانية أو الأدبية أو الاجتماعية أو العلوم التطبيقية. ومتى كانت «الحوافز المشجعة» للجوائز قوية ومتعددة، كانت النتائج مهمة في رفع مستوى الإنتاج الفني والثقافي والعلمي، ومتى حصل العكس عرف الإنتاج تقلصاً وانكماشاً.
عندما نقارن -على سبيل المثال- الميزانيات الهائلة المخصصة للبحث العلمي في الدول المتقدمة، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك الجوائز العالمية التي تنفرد بها السينما الأميركية، ندرك السبب الرئيس وراء ازدهار البحث العلمي ووراء انتشار الفيلم الأميركي وهيمنته عالمياً. وفي دولة كفرنسا مثلاً -باعتبارها تتبوأ مركزاً طليعياً في الثقافة والفن والأدب وفي قطاعات المال والأعمال وشتى القطاعات الأخرى على مستوى العالم- يتم تخصيص أكثر من 1500 جائزة سنوياً، تمنح في مختلف المستويات والقطاعات بمعدل (4) جوائز يومياً، مما يؤكد أهمية التحفيز والتشجيع في ترسيخ مفهوم التميز والإبداع والجودة كثقافة متجددة.
إن اتساع الفضاء العربي، وضعف الإعلام الثقافي العربي، وسوء توزيع الكتاب.. كلها عوامل جعلت من الصعوبة بمكان التعرف على أعمق الدراسات أو أهم الإبداعات. وفي السياق ذاته، ظهر تقليد الجوائز الإبداعية في العالم العربي بجائزة أو جائزتين، وامتد ليصبح عشرات الجوائز. فمنذ بضعة عقود، بدأ بعض الملوك والرؤساء العرب، ثم بعض الشخصيات المالية أو الإبداعية العربية، أو المؤسسات المالية والعلمية العربية.. يسهمون في خلق جوائز للإبداع الفكري والعلمي والأدبي والفني والرياضي. ونجح التنافس الإيجابي والصحي بين هذه الجهات في خلق أسباب محفزة للمشاركة في الجوائز التي يخصصونها سنوياً أو كل سنتين، مع الإشارة إلى تركز الحضور الكبير لها في دول الخليج العربي. وهنا، نشير -مثلاً وليس حصراً- إلى جوائز مثل: جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الملك عبدالله الثاني للإبداع، وجائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري، وجائزة عبد الحميد شومان للباحثين العرب الشبان، وجائزة دبي الثقافية للإبداع، وجائزة العويس، وجوائز فلسطين الثقافية، وجائزة الإبداع العربي، وجائزة الأركانة العالمية للشعر في المغرب.. إلخ. فضلاً عن جوائز الكتاب التي تنظمها وزارات الثقافة العربية، أو جوائز الدولة التشجيعية، أو الجوائز الخاصة بالسينما، أو غيرها من الجوائز الرياضية والشعبية التي تلعب دوراً كبيراً في تقديم هؤلاء وتعريفهم إلى القارئ، إذ يطرح بعضها مبالغ مالية قيمة، ويسهم -بلا شك- في دفع العمل الفائز بعيداً في التلقي والتوزيع، وحصاد عائدات أكثر.
لكن بعض الجوائز لا تعدو كونها مجرد شهادات تقدير، أو ربما مبالغ بسيطة لا تتعدى قيمتها ثمن عدة نسخ من الكتاب، بيد أنها تعدّ جوائز ما دامت قامت لها مسابقة ولجان تحكيم واحتفال. وبالفعل، فقد استطاعت الجوائز العربية تحريك المياه الراكدة في الحياة الثقافية بما أضافته من تحفيز وتشجيع للمبدعين العرب في شتى المجالات.
خلاصة الأمر، يمكن للمكافأة المادية أن تشد من أزر المكافأة المعنوية إذا تحملت لجان التحكيم للأعمال المترشحة -بقراءاتها المتعددة- مسؤوليتها الأخلاقية دون محاباة أو محسوبية، وإن لعبت دورُ النشر ومؤسساتُ الإعلام دورَها في تثمين العمل المجاز وجعله قيد التداول الواسع والدائم.. وإلا فإن الجائزة ستظل مجرد مكافأة بتراء. وبات الآن مطلوباً، وبحق، مراعاة أهمية القيمة المادية للجائزة. فلنوسع قليلاً قيمة بعض الجوائز، ولنجعلها سخيةً أكثر، إذ دائماً ما يكون حصاد الإحباط أكبر بكثير من حصاد الرضا! كذلك، لطالما حظيت الجوائز ببريق معنوي ومادي أخاذ لم يتمكن أي كاتب -مهما ادعى- غض بصره عنه. ومع ذلك، فإن التنافس للحصول على جائزة وإن كان مبهراً للأبصار ومسيلاً للعاب والحبر معاً، فإن المحفز المعنوي عند المشاركين -في ظننا- قد أسال «الحبر» الإبداعي أكثر من «اللعاب»، بمعنى أن الجوائز حفزت مساعي الإبداع أكثر مما حفزت الشهية للمال.