على الرغم من سعي الولايات المتحدة الحثيث لتصفير صادرات النفط الإيرانية اعتباراً من بداية شهر مايو الماضي، فإنه وكما توقعنا في مقالة سابقة، فان الخروقات يمكن أن تعرقل هذه المساعي حيث تشير بيانات «رويترز» إلى أن صادرات النفط الإيرانية انخفضت الشهر الماضي لتصل إلى 400 ألف برميل يومياً فقط، مقابل 1.5 مليون برميل يومياً في شهر أبريل، مما يعني أنه مازال في مقدور إيران تصدير النفط بطرق ملتوية، حيث قال محافظ البنك المركزي الإيراني «عبدالناصر همتي» نهاية الأسبوع الماضي «إن الولايات المتحدة سعت إلى خفض مبيعات إيران من النفط، لكننا عثرنا على طريقة عملية ووسائل للحصول على عائداتنا النفطية، بحيث لا يمكن لواشنطن التأثير عليها».
بالتأكيد هناك مبالغة في القول السابق، إلا أنه بالتأكيد أيضاً هناك إمكانية من التهرب من العقوبات وإيجاد منافذ لتهريب النفط الإيراني، إلا أن ذلك يطرح العديد من التساؤلات والاحتمالات الخاصة بذلك، أولها إن إيران استطاعت وبحكم تجربتها السابقة إيجاد طرق ملتوية للالتفاف على العقوبات الخاصة بتصدير النفط، وبالأخص من خلال الدول المجاورة، كالعراق وأفغانستان وغيرها، علماً بأن الشحنات البحرية شبه متوقفة، حيث ترسو ناقلات النفط المحملة في الموانئ الإيرانية بانتظار مشترين.
الاحتمال الآخر، هو أن بعض البلدان التي أعلنت التزامها بمقاطعة النفط الإيراني لم تطبق هذه المقاطعة، بل وجدت طرق ملتوية لاستيراد النفط أو أن ذلك يتم من خلال موانئ إقليمية في العراق بعد تغيير شهادات المنشأ أو من خلال كميات صغيرة ولكنها متواصلة لمراكز التحميل بصورة مموهة.
السبب الآخر لحجم هذه الصادرات الكبير نسبياً في شهر مايو الماضي يمكن أن يكمن في الإبقاء على بصيص أمل لإتاحة المزيد من الوقت لنظام الملالي لإعادة النظر في سياساته المزعزعة للاستقرار في المنطقة من خلال التدخلات في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بالإضافة برنامجه النووي وبرنامجه الصاروخي.
في كل الأحوال نحن أمام سيناريو غير مكتمل حتى الآن يتعلق بتصفير الصادرات الإيرانية من النفط، حيث ينتظر المراقبون بيانات صادرات النفط لشهر يونيو الجاري لتتضح الصورة أكثر، خصوصاً وأنه يتزامن مع عقوبات أخرى دخلت حيز التنفيذ شملت صادرات المعادن الإيرانية، خاصة الألمنيوم والحديد والتي تبلغ قيمتها3.5 مليار دولار وتشكل 8.5 في المئة من مجموع صادرات إيران غير النفطية، وهي نسبة كبيرة ستلحق ضرراً بالغاً بقطاع حيوي وبمصدر مهم من مصادر الحصول على العملات الأجنبية.
في هذا الجانب ستجد إيران صعوبة أكبر في التملص من العقوبات الأميركية، إذ أن نقل هذه المواد ليس بنفس سهولة نقل النفط الخام المتعددة والمتاحة على أكثر من صعيد، إذ أنه حتى قبل تطبيق العقوبات على صادرات الألمنيوم والحديد تأثرت تجارتها مع العديد من البلدان، فألمانيا الاتحادية على سبيل المثال وباعتبارها أحد أهم شركاء إيران التجاريين، انخفض حجم تبادلها التجاري مع إيران وفق غرفة التجارة والصناعة الألمانية بنسبة 50 في المئة ليصل إلى340 مليون يورو في الربع الأول من العام الجاري بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، كما انخفض عدد الشركات الألمانية العاملة في إيران بمقدار النصف خلال نفس الفترة ليصل إلى 60 شركة، مقابل 120 شركة العام الماضي.
ومع استبعاد صادرات المعادن إذا ما طبق بصورة صحيحة، فإن لدى إيران مصدرا آخر أكثر أهمية ويدر عليها جزءاً كبيراً من العملات الأجنبية، أي ذلك المتعلق بصادراتها من المنتجات البتروكيماوية والذي يشكل الجزء الأكبر من إجمالي الصادرات غير النفطية والذي كان من المفترض أن تشمله العقوبات الأميركية اعتباراً من منتصف مايو الماضي، إلا أن الإدارة الأميركية ارتأت تأجيل ذلك إلى أجل غير مسمى ربما لإتاحة الفرصة للوساطات التي تقوم بعض الدول، مما يتيح لإيران منفذاً للتنفس ومواصلة عناد المجتمع الدولي واستمرار برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى ضمن أيديولوجيتها القائمة على تصدير الثورة، والتي ألحقت خسائر هائلة بالشعب الإيراني الرازح في معظمه تحت خط الفقر في بلد يتمتع بثروات متعددة وكبيرة.
في الأسابيع القليلة القادمة ستتضح الصورة كاملة حول جدية وتأثير العقوبات الأميركية، بما في ذلك عملية تصفير صادرات النفط، والتي سيترتب على جديتها أما إذعان إيران وتجاوبها مع مساعي السلام والتزامها بالأعراف والمواثيق الدولية، أو استمرارها في تنفيذ أجندتها الشوفينية المغلفة بغطاء طائفي خدع للأسف بعض العرب.
*مستشار وخبير اقتصادي