ربما تكون الدلالة الأكثر أهمية لقرار الإدارة الأميركية فرض قيود على شركة «هواوي» الصينية الكبرى للاتصالات هي أن النزاع بين واشنطن وبكين يتوسع، وأن المفاوضات التي أُجريت، ولم تبلغ نهايتها بعد، قد لا تحول دون تحوله حرباً تجارية. وبموجب هذه القيود، لا تستطيع الشركات الأميركية التعامل مع شركة «هواوي»، و70 شركة فرعية تابعة لها بدون الحصول على تصريح خاص مسبق من وزارة التجارة.
صحيح أن السوق الأميركية لا تعتبر كبيرة بالنسبة لمبيعات هواتف «هواوي» المنتشرة في أنحاء العالم. لكن التأثير الأهم للقيود يعود إلى اعتماد هواتف «هواوي» على نظام التشغيل «أندرويد» الذي تُطوّره شركة جوجل. وسيكون على «هواوي» إيجاد بديل لهذا النظام، وكذلك من الشركات الأميركية التي تبيعها الكثير من المعدات والتكنولوجيا، حتى بعد أن أعلنت «جوجل» أنها ستواصل تزويد مستخدمي هواتف «هواوي»، التي أُنتجت فعلاً، بخدماتها، وأن القيود ستُطبق على الأجهزة التي ستُنتج بعد ذلك.
ورغم أن القيود الأميركية ليست مقصورة على شركة «هواوي»، وتشمل الكثير من الشركات الصينية، فقد انشغل العالم في الأيام الماضية بتلك الشركة تحديداً. ولا يرتبط هذا الاهتمام الواسع باستخدام مئات الملايين في العالم هواتفها فقط، ولكن أيضاً كونها ليست مثل أية شركة صينية أخرى. فقد تنامى نشاط هذه الشركة، وازدادت قدرتها التنافسية على المستوى العالمي في مجال بناء شبكات الجيل الخامس «G 5»، التي يُتوقع أن تنقل ثورة الاتصالات الراهنة (الثورة الرابعة) إلى مرحلة جديدة عبر التوسع في قواعد البيانات الضخمة، وفي «إنترنت الأشياء» وتطبيقاته.
وهذا، تحديداً، ما يدفع إلى توقع أن يطول أمد النزاع، ويتحول حرباً تجارية كاملة، لأن تطوير خدمات الجيل الخامس بطريقة فعالة، يتطلب وقتاً. فهذه الخدمات، مثل إتاحة تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وتوفير سرعات أكبر لإرسال البيانات، والاتصال اللاسلكي بالإنترنت، واستخدام تطبيقات أكثر دقة وتعقيداً.. تقتضي شبكات خلوية جديدة، و«مودم» منفصلاً، وبطاريات أقوى تتحمل الزيادة في استهلاك الطاقة.
وإذا صح هذا التوقع، فهو يعني أن المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين قد لا تصل إلى نتيجة قبل أن تتضح آفاق السباق بينهما في مجال شبكات الجيل الخامس. وحين يحدث ذلك، خلال فترة قد لا تقل عن عامين، ربما يكون الوقت قد فات لحل النزاع التجاري، وتجنب تحوله حرباً تؤثر في مئات الملايين من المستهلكين، إذ يُعد المواطنون الأفراد هم الضحايا الأساسيين في مختلف الحروب، وليس في المعارك المسلحة فقط.
ولم يشعر المستهلكون في الولايات المتحدة والصين بعد بالتداعيات السلبية الكبيرة المترتبة على النزاع التجاري، لأن الإجراءات التصعيدية المتبادلة ظلت محدودة، منذ نشوب هذا النزاع، قياساً إلى حجم الاقتصاد في كل من الدولتين. لكن تأثير هذا النزاع عليهم قد يبدأ في الظهور تدريجياً في النصف الثاني من 2019، نتيجة قرار واشنطن في منتصف مايو الماضي فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و25% على مجموعة من السلع الصينية تصل قيمتها نحو 200 مليار دولار، ورد بكين بفرض رسوم مضادة «انتقامية» على سلع أميركية تصل قيمتها نحو 70 مليار دولار.
والمتوقع أن يحدث ارتفاع متفاوت في أسعار بعض السلع، التي فرضت عليها هذه الرسوم، على نحو يُلحق ضرراً بمستهلكيها الذين يتم تحميلهم، والحال هكذا، تبعات نزاع تجاري لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
لكن المستهلكين لن يكونوا وحدهم ضحايا تصاعد النزاع التجاري، وتحوله حرباً. سُتلحق هذه الحرب الأذى بشركات أميركية وصينية أيضاً. وعلى سبيل المثال، لن تكون شركة «هواوي» خاسرة وحدها بسبب القيود المفروضة عليها، بل شركات أميركية أيضاً تتعامل معها، وتُزَّودها بخدمات، مثل إنتل، وكوالكم، فضلاً عن جوجل. وقد أدى حصر القيود المفروضة على شركة هواوي في إنتاجها الجديد إلى تأجيل الضرر الذي سيحدث لا محالة، ما لم تُلغ هذه القيود.
كما أن تداعيات النزاع التجاري الأميركي الصيني ستتجاوز الدولتين، وتؤثر في كثير من الدول الأخرى، في حال توسعه، وتحوله حرباً يستخدم كل من طرفيها كلَّ ما لديه من إمكانات وأدوات فيها.
*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية