تبدأ اليوم، الاثنين، في مدينة «فانكوفر» على الساحل الغربي لكندا، وتستمر لمدة أربعة أيام، فعاليات مؤتمر يحمل عنوان «النساء يؤدين 2019» (Women Deliver 2019)، وهو أكبر مؤتمر من نوعه في التاريخ يبحث موضوع المساواة بين الجنسين، وتدور فعالياته حول صحة، وعافية، وحقوق الفتيات والنساء في القرن الحادي والعشرين، مما يؤهله لأن يصبح منصة بالغة الأهمية للساعين من أجل خلق عالم أكثر مساواة وعدلاً بين الجنسين.
وستدور محاور المؤتمر حول عدد من القضايا التي تؤثر على حياة النساء، مع التركيز على الحلول التي يمكن أن تترك أثراً وتؤدي إلى نتائج ملموسة على صعيد صحة الإناث، بما في ذلك صحة وسلامة الأمهات، والصحة الجنسية والإنجابية لهن، وحقوقهن المتعلقة بالتعليم.. إلى جانب موضوعات أخرى مثل البيئة، والمساهمة السياسية، والتمكين الاقتصادي، وحقوق الإنسان، والعنف ضد الإناث، والمشاركة في المصادر المجتمعية المتاحة.
ويتوقع أن يشارك في المؤتمر أكثر من 6 آلاف شخصية من أكثر من 150 دولة، من زعماء العالم، ومن ممثلي المنظمات الدولية، والجهات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، وقيادات القطاع الخاص، والشباب، والناشطين الحقوقيين والاجتماعيين، والأكاديميين، وممثلي وسائل الإعلام.. حيث سيسعون جميعاً باتجاه تسريع التقدم والتنمية للفتيات والنساء في جميع أرجاء وأصقاع الكوكب.
ويشير مفهوم أو مصطلح المساواة بين الجنسين إلى الحالة التي تتوفر فيها المساواة التامة في الحصول على المصادر المتوفرة، وفي استغلال الفرص المتاحة، بغض النظر عن الجنس أو النوع، بما في ذلك المشاركة الاقتصادية، والمساهمة في صنع القرار، بالإضافة إلى تقدير واحترام الفروقات الشخصية في السلوكيات، وفي التطلعات، وفي المطالبة بالعدل والمساواة في توزيع المصادر وتحقيق الآمال.
أما مظاهر عدم المساواة بين الجنسين في المجتمع، فتتجسد من خلال عدة صور، مثل:
1- فقدان التوازن في العلاقة الشخصية بين النساء والرجال، بشكل يجعل النساء هن الطرف الأضعف غالباً في تلك العلاقات.
2- بعض الموروثات الاجتماعية التي غالباً ما تمنح النساءَ فرصةً أقل في التعليم والتوظيف، أو التوظيف بأجر أدنى.
3- الاعتقاد السائد بأن الإنجاب هو الوظيفة الأساسية للمرأة، وربما حتى الوظيفة الوحيدة لها داخل المجتمع.
4- انتشار ظاهرة العنف البدني، والجنسي، والنفسي، ضد النساء، وتقبّل هذه الظاهرة على أنها جزء من العلاقة الطبيعية بين الجنسين.
5- تعرّض النساء بشكل أكبر للسلبيات الصحية الناتجة عن الفقر، والذي يعتبر عائقاً أمام التمتع بصحة جيدة لدى الجنسين، وإن كان تأثيره يتضح بشكل أعمق على المرأة.
وإذا ما خصصنا بالحديث هنا العنفَ ضد الإناث، فحسب اتفاقية المجلس الأوروبي الخاصة بالوقاية من ومكافحة العنف ضد النساء والعنف الأسري، والمعروفة باتفاقية إسطنبول، يعتبر هذا الشكل من العنف أحد صور انتهاك حقوق الإنسان، وشكلاً من أشكال التمييز ضد النساء. ويتضمن العنف ضد الإناث جميع أفعال العنف المبنية على جنس الضحية، والتي يمكن أن ينتج عنها أذى أو ضرر جسدي، أو جنسي، أو نفسي، أو مادي، بما في ذلك التهديد بالعنف، والإكراه، وسلب الحرية، سواء أكانت تلك الأفعال في أماكن عامة، أو في ظروف وأماكن خاصة. وكثيراً ما يبدأ العنف ضد الإناث في سنوات الطفولة والمراهقة، سواء أكان هذا العنف جسدياً أو جنسياً أو نفسياً، ويأخذ أشكالاً مختلفة، مثل زواج القاصرات، والتمثيل بأعضائهن الجنسية الخارجية، أو استغلالهن في الدعارة، وانتهاك براءتهن من خلال أفلام الفيديو والصور الإباحية.
وللأسف فإن العنف ضد الإناث قد يبدأ حتى قبل أن يولدن، ضمن ظاهرة إجهاض الأجنة الإناث، ووأد البنات.
ويرد جزء كبير من الأوضاع السلبية التي تحيا فيها نساء العالم بصورها المختلفة، إلى الظلم والغُبن التعليمي الذي يتعرضن له، منذ نعومة أظافرهن. وهو الظلم الذي تظهِره حقيقةُ أن الفتيات صغيرات السن يمنعن من حقهن في تلقي التعليم الابتدائي بمقدار مرة ونصف مقارنة بالذكور، ولذا نجد أن 63 في المئة ممن يعانون من الأمية الأبجدية (عدم القدرة على القراءة والكتابة) هم من الإناث.
هذا الوضع يمكن تصحيحه من خلال توفير تعليم مجاني أو منخفض التكلفة، وبالتوازي مع توفير وسائل المواصلات وبنية تحتية تمكنهن من الوصول إلى المدرسة، والتي يجب أن تتمتع ببيئة آمنة، وداعمة، ومستجيبة للاختلافات والفروقات بين الجنسين، خصوصاً في ظل ما تظهره الدراسات والإحصائيات من أن الإناث اللائي يتلقين تعليماً حتى المرحلة الثانوية، يتمتعن بدخل شخصي يبلغ ضعف دخل الإناث اللائي لم يتلقين تعليماً، كما أن المتعلمات يتعرضن لمعدلات أقل من الحمل غير المرغوب فيه، ومن الزواج كقاصرات، ويصبحن أكثر مساهمةً في الناتج الاقتصادي القومي.. مما يجعل الاستثمار في تعليم الفتيات من أعلى أنواع الاستثمار الوطني عائداً.