عاد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة بفوز ساحق تفوق فيه حتى على أدائه عام 2014، ليحصل بذلك على فترة جديدة في رئاسة الحكومة الهندية مدتها خمس سنوات. وفاز حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم بعدد غير مسبوق من المقاعد بلغ 303 من 542 مقعداً في الغرفة الأدنى من البرلمان متفوقاً على 282 مقعداً حصل عليها في انتخابات 2014. وبهذا يصبح أول حزب يفوز بأغلبية بمفرده في أكثر من ثلاثة عقود.
وبعد حملة انتخابية ضارية، تعهد «مودي» ببناء «هند قوية وتحتوي الجميع» والعمل بجد أكبر مع عودته إلى السلطة. واستطاع حزبه اليميني أن يعزز نفوذه في ولايات جديدة مثل ولاية البنغال الغربية فيما يتجاوز قاعدة نفوذه التقليدية في ولايات تيلانغانا وأوديشا في وسط الهند. كما أن فوز «مودي» الساحق يجعله ثالث رئيس وزراء في تاريخ الهند يحتفظ بالسلطة بعد فترة ولاية كاملة، وأول زعيم لحزب «بهاراتيا جاناتا» يتولى السلطة لولاية ثانية.
وهيمن «مودي» البالغ من العمر 68 عاماً على الانتخابات التي تراجعت فيها القضايا المهمة وتصدرها شخصيات المرشحين الأساسيين رغم وجود مشكلات خطيرة، منها تصاعد البطالة وتعرض المزارعين لأزمة. وصوت 67.34% ممن لهم حق الانتخاب على 8000 مرشح شاركوا في هذه الانتخابات. ونجح الحزب الحاكم في إبعاد الاهتمام عن المشكلات الرئيسية مثل الوظائف وأزمة المزارعين وخاض حملته مركزاً في الأساس على شعبية مودي. ونجح الحزب أيضاً في استثمار الحمية القومية التي تصاعدت بعد نشوب مناوشات مع باكستان بشأن مقتل 40 جندياً هندياً في كشمير قبل الانتخابات. وشنت الهند ضربات جوية داخل باكستان مما أدى إلى تصاعد في المشاعر القومية داخل البلاد. واستفاد الحزب الحاكم أعظم استفادة من هذه الواقعة وروج لهذا العمل باعتباره مثالاً على قوة حكم مودي.
ولعبت القومية الهندوسية دوراً مهماً أيضاً في صالح الحزب الحاكم بخوض زعمائه حملات انتخابية مثيرة للشقاق. فقد رشح الحزب عدداً قليلاً من الشخصيات المثيرة للجدل للغاية مثل السيدة «براغيا ثاكور» المتهمة بالضلوع في أعمال إرهابية، والتي تعين على «مودي» أن ينأى بنفسه عن تصريحاتها، بعد أن أشادت «بناثورام غودسي» الذي اغتال المهاتما غاندي. وبعض الزعماء حذر الناخبين المسلمين دون مواربة من الحرمان من فرض التنمية إذا لم يصوتوا للحزب الحاكم مما خلق حالة من الريبة والخوف وسط الأقليات. واتهمت أحزاب المعارضة الحزب الحاكم بشن حملة استقطابية وشقاقية.
لكن مازال هناك تحديات عميقة أمام «مودي» من بينها تنفيذ وعده بأن يشمل النمو الجميع. والتحدي الذي يواجهه هو طمأنة الأقليات بأن الحكومة ستحميهم حقاً. ومع هذا التفويض الكبير الذي فاز به الحزب الحاكم، تتصاعد التوقعات أيضاً في المقابل. فهناك توقعات بأن يستطيع «مودي»-الذي كانت شعبيته باعتباره زعيماً حاسماً سبباً في الانتصار- التحرك بسرعة لمعالجة مشكلة المزارعين وتحفيز نمو الاقتصاد وزيادة فرص العمل والإسراع بتحديث القوات المسلحة والوفاء بالوعود مثل تقليص الفقر. والهند واحدة من أكثر اقتصاديات العالم نمواً لكنها أيضاً مثقلة بمشكلات خطيرة. فالبطالة تتنامى، وأشار مسح واحد على الأقل إلى أنها في أعلى مستوى في 45 عاماً، وخلق الوظائف لم يواكب ملايين الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل كل عام. وهناك استياء أيضاً في المناطق الريفية التي يعاني فيها المزارعون من ديون تفاقمت بسبب انخفاض أسعار حاصلاتهم.
لكن الفوز الساحق لحزب «بهاراتيا جاناتا» يمثل انتكاسة أيضاً للمعارضة التي يتعين عليها الآن أن تصمد وتلعب دور المعارضة القوية. وحزب «المؤتمر» خصوصاً يترنح من الخسائر التي شهدها راؤول غاندي رئيس الحزب الذي لقي هزيمة في دائرة أسرته الانتخابية. فقد كان مقعد الدائرة يهيمن عليه غالباً حزب «المؤتمر» وعضو من أسرة غاندي ونهرو. لكن حزب «المؤتمر» توقع هذه الهزيمة فيما يبدو، ومن ثم تم ترشيحه ولأول مرة لدائرة أخرى في كيرالا التي فاز فيها بالانتخابات هذه المرة. وهزيمة الحزب على المستوى القومي يتوقع أن تعيد طرح أسئلة بشأن زعامة راؤول غاندي.
وقدم راؤول غاندي الآن الاستقالة من منصبه كرئيس للحزب متحملاً مسؤولية الهزيمة المهينة لكن لجنة العمل في حزب «المؤتمر» وهي أعلى هيئة اتخاذ قرار في الحزب ومؤلفة من 25 زعيماً من بينهم رئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ رفضت الاستقالة بالإجماع وجددت ثقتها بقيادته للحزب فيما يدل على استمرار سيطرة أسرة نهرو وغاندي على الحزب. ولا شك في أن راؤول غاندي عمل بجد للغاية كي يقود حملة انتخابية بكياسة، لكن عدم الوحدة وسط المعارضة على تقاسم المقاعد وغياب قائمة أولويات مشتركة أدى إلى الهزيمة. ومازال راؤول غاندي يصر على عدم الاستمرار كرئيس للحزب القديم العظيم ومازال من غير الواضح إذا ما كان سيقبل أخيراً قرار الحزب. لكن هذه الانتخابات تمخضت عن معارضة أضعف قد لا تستطيع أن تمثل أداة محاسبة موثوق بها على الحزب الحاكم، وقد يكون لهذا خطورة على الديمقراطية.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي