تتغير أوضاع القوى السياسية في ظروف مختلفة، لا تحكمها العلاقات السياسية الثنائية فقط، كما لا تحكمها الاستراتيجيات الكبرى وحدها، وليس هنا موضع دراسات تفصيلية لهذا الموضوع بعد متابعتنا للمنظور العام لهذه المنطقة أو تلك. فالتغيرات في بلدان المغارب العربية مثلا لا تثبت على حال، ولا تبدو الاستراتيجيات كبيرة نحوها، ماضية على خط متوازن، سواء كانوا من قبل الفرنسيين أو الإسبان، ولم تكن ليبيا حين كانت تلعب دور قوة كبرى في المنطقة تقوم بدور توازن كبير في هذا الموقف المضطرب.
يثير ذلك عديداً من الأسئلة حول العالم الأفريقي، فقد كانت هذه القارة مثالاً للانقسام والتفتيت يحكمها الكبار، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها إلا باستدعاء «الشياطين الاستعمارية» للتدخل هنا وهنالك، وكانت مناطق مثل وسط أفريقيا وكذا شرقي القارة، أو قل القرن الأفريقي ومناطق البحر الأحمر مثالا للانقسام، وإذ بها الآن أكثر تماسكا من أقصى شمالها في إريتريا، إلى أقصى جنوبها في موزمبيق، وهي في طريقها إلى تماسك أقوى، مقابل الصراعات الحادة التي عرفتها منطقة القرن الأفريقي ووسط أفريقيا وغربها.
من هذه المناطق ينطلق الآن نقاش بين عدد من المثقفين على الأقل، وأطراف إقليمية تتحدث عن حركة «البان إفريكانزم» و«الوحدة الأفريقية» ويتداخل صراع فكرى بين وحدة أفريقية أو عربية وبين العولمة، حيث تسهم بعض الصراعات في هذه المناطق في تعميق مفهوم العولمة، ولو بغير مفهوم «العالمية» القديم أو الأممية الأحدث الآن. الفوضى التي يواجهها العالم اليوم، في مناطق من شرقه إلى غربه تفرض عالماً جديداً، عرفناه عقب الحرب العالمية الثانية، وكم نخشى أن يتطور العالم إلى مجموعات إقليمية مجزأة تفوق ما كنا نسميه العوالم الثلاثة، وإذ بنا أمام تفتيت متضاعف يضيف أرقاما جديدة إلى تقسيمات العالم لم تكن متوقعة في منطقتنا.
العالم العربي، يعاني أجواء من التشرذم لا يحكمها منطق عقلاني ما يجعل العلاقات بين أجزاء منه على حافة حروب ضروس، ناهيك عن الحروب العالمية الكبرى المتوقعة بسبب ما يثار في العالم العربي (ومسماه الآن الشرق الأوسط)، والملفت أن الدول الكبرى نفسها بدأ يحكمها الآن منطق أقرب مما كان قائماً خلال الحرب الباردة، وهي تبشر بتهدئة قريبة.
والملفت أيضاً أن تكون المنطقة العربية من أشد المناطق تمثيلاً لحالة الاضطراب التي نشير إليها مع أنها معبأة باعتبارات الوحدة، والأخوة، وهي في نفس الوقت التي تحمل كل عناصر التهدئة، لو دفعت ببعض عناصر العروبة والقومية التي مثلتها من قبل.. علينا إذن أن نشارك أخواننا في أفريقيا في دفع الروح الجديدة نحو الوحدة والقومية، وثمة مناطق في غرب أفريقيا والجنوب الأفريقي تكاد تقترب من هذه الروح الجديدة بحكم إخلاص بعض النوايا في غرب القارة وشرقيها، ورغم أن العلاقات الدولية لا تقوم على حسن النوايا، وأن العالم معبأ بالصراعات منذ حروب الفرس والرومان، فإنها لم تتوقف أيضا منذ الحروب الصليبية والإسلامية، ورغم ذلك لا يزال العالم يتطلع لعالم آخر أفضل. العالم العربي قد استكان كثيراً لفترة من الاستقرار ظنها بما لديه من ثروات وكفاءات تحتاج إلى مراجعة، فهذا الاضطراب الفكري الذي أصبح يضرب بين جنباته جدير بالمراجعة الجماعية، على نحو ما حدث فترة قيام الجامعة العربية مثلا، أو فترة ترتيب أوضاع العرب مع أوروبا والقارة الأفريقية، ولن تستطيع إمكانياتنا أن تتفوق على‏? ?متاعبنا? ?دون? ?أن? ?تدفع? ?بحركة? ?فكر? ?جماعي? ?مثلما? ?عشنا? ?في? ?متاعب? ?جماعية?.
*مدير مركز البحوث العربية والأفريقية- القاهرة