استكمالاً لحديث الأزمة الإيرانية الأميركية، عقب تصاعد حدة التوتر بين الجانبين، بعدما عززت واشنطن وجودها العسكري في الشرق الأوسط، في مواجهة ما يقول مسؤولون أميركيون: إنها تهديدات إيرانية للقوات والمصالح الأميركية في المنطقة، ونتيجةً للتصريحات المتناقضة التي ترسلها إيران للخارج عبر مسؤوليها حول التفكير في الحرب أو الدخول في مفاوضات، أو حتى موقفها من التطورات الأخيرة في الخليج. يصبح من الضروري الاطلاع على المشهد الإيراني من الداخل لفهم الصورة المتناقضة ظاهرياً للخارج، والتي تعكسها عملية صنع وإدارة السياسة الخارجية الإيرانية، والجدل حول ما إذا كانت هذه السياسة أيديولوجية أم براجماتية؟
غالباً ما تبدو السياسة الخارجية الإيرانية، وكأنها تعكس توجهات ووجهات نظر مختلفة بين مجموعة من اللاعبين وأصحاب المصالح المتعارضين، ويرجع ذلك إلى خصائص النظام السياسي الإيراني كما أقرها دستور عام 1979 المعدل عام 1989. وبقراءة سريعة للمواد المتعلقة بصلاحيات المرشد الأعلى وصلاحيات رئيس الجمهورية في هذا الدستور، يظهر الفرق الشاسع بين الاثنين؛ إذ يتربع «المرشد الأعلى» على قمة هرم السلطة، ويخوّله الدستور صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات المصيرية بشأن السياسة الخارجية، لاسيما المادة (110). بينما تتضاءل صلاحيات منصب الرئيس وفقاً للمادة 113، والتي تنص على أن «رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة العليا»، أي أن الرئيس لا يمكنه اتباع سياسة خارجية لا تتفق وإرادة المرشد الأعلى، وهو واقعياً لا يمكنه تبني سياسات تعارضها العناصر الأخرى ذات النفوذ لاسيما الحرس الثوري.
لقد عمّقت الأزمة الاقتصادية والتوتر الحاد مع واشنطن تناقضات النظام الإيراني، وبدلاً من أن تسهم في توحيد الصف الداخلي، أظهرت على السطح الصراعات بين التيارات السياسية على السلطة وبرزت التوترات الحادة بين المرشد الأعلى خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني في الأسابيع الماضية، عبر سلسلة من التصريحات التي ساهمت في انقسام وتشظي الآراء على الساحة الإيرانية، إذ جدد روحاني مطالبه من المرشد الأعلى بتعزيز صلاحياته بالتزامن مع الذكرى الثانية لفوزه بالولاية الثانية 20 مايو 2017، حيث قال: «في فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وفى إحدى مراحلها، تم تأسيس المجلس الأعلى لدعم الحرب، وكان يمتلك كافة الصلاحيات، ولم يتمكن لا البرلمان ولا القضاء من التدخل في قراراته. واليوم نخوض حرباً اقتصادية.. وظروفنا ليست مواتية للتفاوض وإنما للمقاومة والصمود». وفي لقاء مع نشطاء سياسيين مؤخراً، أعرب روحاني مجدداً عن الامتعاض لضعف الصلاحيات التي يمنحها له الدستور، معتبراً إياها عائقاً أمام تحقيق مطالب الشعب.
وجاءت مطالبات روحاني بتوسيع صلاحيات الرئيس لمواجهة «الحرب الاقتصادية» وسط تردى اقتصادي متسارع وانخفاض تاريخي لسعر صرف العملة الإيرانية، وارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية.
لكن خامنئي رفض ضمناً مطالبات روحاني بتوسيع صلاحياته، ونفى أن يكون الدستور سبباً في المشكلات الداخلية الإيرانية، مبدياً معارضته التامة للمطالبة بإعادة النظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي في إيران. وهاجم خامنئي الرئيس روحاني ووزير خارجيته، وذلك خلال استقباله حشداً من طلبة الجامعة في 22 مايو الجاري، قائلاً: «لم تكن لدي قناعة كاملة بالطريقة التي تم بها تنفيذ الاتفاق النووي، وتحدثت مراراً بهذا الشأن مع المسؤولين المعنيين، وبينهم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، ونبهت لأمور كثيرة».
وتشهد إيران حملة إعلامية ضد سياسات روحاني وحكومته ودعوته لتوسيع صلاحياته كرئيس للجمهورية، بل ظهرت دعوات تطالبه بالتنحي.. فهل ينقلب خامنئي على روحاني في هذه المرحلة الحرجة؟ وهل سيلاقي روحاني مصير سلفه خاتمي في نهاية ولايته الثانية؟