كشفت إدارة ترامب، يوم الأحد الماضي، عن خطوتها الأولى في خطةٍ لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ تعتزم عقد مؤتمر «ورشة اقتصادية» على مدى يومين في البحرين الشهر القادم، حيث سيكشف المسؤولون الأميركيون عن مزيد من تفاصيل الخطة لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيليي الذي يبلغ عمره عقوداً من الزمن، مع جمع عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات لصالح الأراضي المحتلة. ويعتقد جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب والشخص الذي اختاره البيت الأبيض لرعاية عملية السلام، أن تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين وتطوير شركات فلسطينية ينبغي أن يحظى بالأولوية على الحلول السياسية.
وقد يكون ذلك معقولاً ومنطقياً، بالنظر إلى الهاوية السياسية التي وقعت فيها آفاق دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة. لكن الانطباع السائد بين الفلسطينيين هو أن ترامب ومعاونيه ليسوا وسطاء سلام نزهاء. وبدلاً من ذلك، ينظر الفلسطينيون إلى سلسلة من الخطوات التي أقدمت عليها إدارته؛ من الاعتراف أحادي الجانب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، إلى خفض المساعدات الموجهة للفلسطينيين، إلى إغلاق المكاتب الدبلوماسية التي تلبي احتياجات الفلسطينيين.. باعتبارها جزءاً من حملة لإضعاف التطلعات الفلسطينية. وبالنظر إلى التحالف القوي الذي يجمع ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الفلسطينيين لا يرون نهاية للاحتلال العسكري الإسرائيلي لأراضيهم. وفي هذا الصدد، قال كبير مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات: «إن محاولات تشجيع تطبيع اقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مرفوضة»، مضيفاً: «إن الأمر لا يتعلق بتحسين الظروف المعيشية تحت الاحتلال، وإنما بتحقيق إمكانيات فلسطين الكاملة عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي».

وقد أشار خبراء إلى محاولات سابقة كانت تبدو واعدة في بدايتها، عندما لم تتمخض خططٌ كبيرة لريادة الأعمال في الضفة الغربية سوى عن العدم، وسط حالة من الاضطراب والدمار. وكتب شيبلي تلهامي من مؤسسة «بروكينجز إنستيتيوشن» يقول: «عندما انهارت المفاوضات السياسية، اندلع العنف وتبخرت الاستثمارات»، مضيفاً: «إن الافتراض بأن وعد تحسن الأحوال الاقتصادية سيفوق التطلعات الوطنية لشعب كافح وكابد الآلام على مدى عقود، يمثل إغفالاً للطبيعة البشرية».
ويبدو واضحاً أن نتنياهو غير مهتم بإزالة الاحتلال، وقد ترك إمكانيةَ ضم الأراضي الفلسطينية مفتوحةً. ويحمّل المسؤولون الإسرائيليون وداعموهم الأميركيون، القيادةَ الفلسطينية والعداءَ المستمر لتنظيمات إسلامية مثل «حماس» التي تحكم قطاع غزة المحاصَر، مسؤوليةَ فشل عملية السلام. ويحث المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون الفلسطينيين على النظر إلى العملية التي يقودها كوشنر بذهن منفتح ومنح فرصة أخرى للسلام، أو على الأقل للنسخة الترامبية منه.
غير أن محاولة كوشنر في صنع السلام تدفع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طريق يكرس هيمنة الأولى على الأخيرة. ويخشى مؤيدو حل الدولتين أن يحكم ذلك بالفشل على آخر الآمال في اتفاق ذي مغزى. ويقول جيريمي بن عمي، رئيس «جاي ستريت»، وهي منظمة ليبرالية مؤيدة لإسرائيل في واشنطن، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إن محاولة كوشنر إيجاد حل اقتصادي لهذا النزاع السياسي الطويل محكوم عليها بالفشل»، مضيفاً: «إنها يمكن أن تعبّد الطريق لخطوات كارثية مثل ضم رسمي، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض أي جهود مستقبلية للتوصل لسلام دائم».
ويأسف روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لتسرع البيت الأبيض في اجتراح صفقة، ولذهنية الصفقات التجارية المهيمنة على البيت الأبيض حالياً والتي حكمت خطة ترامب -كوشنر. وكتب ساتلوف يقول: «خلافاً لصفقة عقار، حيث يحصل طرف على الملكية ويحصل الطرف الآخر على المال، فإن اتفاق سلام في الشرق الأوسط يبدأ وينتهي مع حقيقة أن الطرفين جاران عالقان مع أحدهما الآخر ويتقاسمان منزلاً للأبد».
وبينما تمضي جهود البيت الأبيض إلى الأمام، فإن التركيز قد يتحول إلى ماهية وشكل هذا الترتيب المقترَح لعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنباً إلى جنب، لكن هذا الحديث –حول حق الفلسطينيين في دولة مستقلة– هو حديث لا يرغب في خوضه كثيرون في واشنطن وتل أبيب.
وقال يوسف منير، المدير التنفيذي للحملة الأميركية للحقوق الفلسطينية، لصحيفة «بوليتيكو»: «إن ترامب الآن ليس بصدد دفن حل الدولتين فحسب، والذي كان غير قابل للتطبيق على كل حال، لكنه يرقص على قبره بفرح، مرغماً الناس بالتالي على إنهاء إنكارهم»، مضيفاً: «من المهم أن نرد بشكل واضح جداً بأننا نحتاج إلى حقوق متساوية في دولة واحدة».
صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»