يحقق الذكاء الاصطناعي نتائج مساوية، وأفضل أحياناً، من الأطباء والمتخصصين، في التعرف على وتشخيص الإصابة بسرطان الرئة، وهو ما قد يزيد من فعالية البرامج المسحية الهادفة للتعرف على الإصابة بالسرطان بشكل مبكر، مما يزيد من فرص الشفاء والنجاة للمرضى المصابين. هذه هي كانت خلاصة دراسة قام بها علماء جامعة أميركية في ولاية إلينوي (Northwestern University)، ونشرت نتائجها في العدد الأخير من إحدى الدوريات المتخصصة في العلوم الطبية (Nature Medicine).
ويُعرّف الذكاء الاصطناعي في أبسط صوره على أنه: تمتع الآلة أو الكمبيوتر بمهارات وقدرات، ترتبط في الذهن بالذكاء، مثل القدرة على الفهم، والتعلم، والتحليل، والاستنتاج، وحل المشاكل، واستخدام قواعد المنطق، والتخطيط، والتفكير النقدي، وربما حتى الابتكار والإبداع، والشعور بالذات، والإدراك العاطفي. وبوجه عام تتعدد وتتنوع المجالات والقطاعات التي تشهد تزايداً مستمراً في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل نظم الرعاية الصحة والمستشفيات، والمعاملات المالية ووظائف البنوك، والتعليم والبحوث والدراسات، ووسائل الإعلام والأخبار وصناعة النشر، وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، ووسائل النقل والمواصلات، والصناعات الثقيلة، والتسويق والمبيعات، وخدمة العملاء. وفي المجال الطبي والرعاية الصحية، يطبق الذكاء الاصطناعي من خلال استخدام لوغاريتمات معقدة وبرامج كمبيوتر، يمكنها محاكاة ومطابقة القدرات الذهنية البشرية، لغرض تحليل بيانات ومعلومات طبية معقدة، وبالتحديد قدرة هذه اللوغاريتمات على مقاربة الاستنباط والاستدلال البشري.
وما قام به علماء الجامعة الأميركية هو عرض أكثر من 42 ألف أشعة مقطعية على الصدر، لقرابة 15 ألف مريض، على برنامج كمبيوتر يقوم بمسح صور هذه الأشعة، للتعرف على الاختلالات التي قد تشير إلى وجود أورام سرطانية، ومن دون توجيه البرنامج إلى أي من هؤلاء المرضى ثبت بالفعل إصابته بسرطان الرئة. وفي نهاية التجربة اكتشف الباحثون أن توقعات البرنامج فاقت صحة ودقة تشخيص فريق مكون من 6 من أطباء الأشعة المتخصصين في تحليل صور الأشعة المقطعية، وذلك عندما عرضت صورة أشعة واحدة على البرنامج وعلى الفريق الطبي، وإن كانت قد تساوت في الدقة والصحة مع تحليل الفريق الطبي عندما عرض على الأطباء المتخصصين عدة صور أشعة لنفس المريض. وهو ما يعني أن البرنامج تفوق على الأطباء المتخصصين في حالة توفر صورة أشعة واحدة، وفي أسوأ الحالات ساواهم في صحة التشخيص عندما توفر للفريقين عدة صور للأشعة.
والمعروف والثابت أن التشخيص المبكر للأمراض السرطانية، يلعب دوراً كبيراً في زيادة احتمالات الشفاء والنجاة، وهي الحقيقة التي تظهرها وتؤكدها الدراسات العلمية والتقديرات الصحية في دول العالم المختلفة. ففي الولايات المتحدة مثلاً، يصاب مليون وأربعمئة ألف شخص بالسرطان سنوياً، يلقى أكثر من نصف مليون منهم حتفهم في النهاية. ولكن الدراسات تلو الأخرى، تظهر جميعها أن الكشف المبكر من خلال الفحوص الطبية المسحية، يمكنه أن يخفض من تلك الوفيات بنسبة تتراوح ما بين 3 إلى 35 في المئة. ولكن هذه الفحوص المسحية لا زالت تواجه مشكلات علمية وفنية، تعيقها عن أن تصبح ممارسة يومية، وتمنعها من أن تكون أكثر فاعلية في اكتشاف الأمراض السرطانية مبكراً.
وإذا خصصنا الحديث عن سرطان الرئة محل الدراسة سابقة الذكر، فسنجد أنه من أخطر الأمراض السرطانية على الإطلاق، لأنه ضمن أكثر أنواع السرطان انتشاراً، أيضاً بسبب ارتفاع نسبة الوفيات الناتجة عنه. فرغم أن سرطان الرئة يحتل المرتبة الثانية على قائمة الأمراض السرطانية الأكثر انتشاراً، فإنه يأتي على رأس قائمة الوفيات الناتجة عن جميع أنواع السرطان، حيث يتسبب في مقتل أكثر من ثلاثة ملايين شخص سنوياً حول العالم. وحتى بين النساء، واللواتي تنخفض لديهن احتمالات الإصابة مقارنة بالرجال، نجد أن الوفيات الناتجة عن سرطان الرئة تزيد على إجمالي الوفيات الناتجة عن كل من سرطان الثدي، وسرطان الرحم، وسرطان المبيضين، مجتمعة.
وبوجه عام، تعتبر الرعاية الصحية من المجالات التي توغل فيها الذكاء الاصطناعي بقدر ملحوظ، مع تصاعد التوقعات بأن تأثيره سيتزايد بشكل سيغير من سمات هذا القطاع في المستقبل القريب، بناء على أن مجال الرعاية الصحية يعتبر من القطاعات المهمة التي يمكن للذكاء الاصطناعي -إذا ما طُبق بشكل سليم- أن يُحدث ثورة جذرية في جوانبه المختلفة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون له تأثير واضح وعميق على الجوانب المختلفة لهذا القطاع الحيوي والمهم، من خلال توفير رعاية طبية للمرضى بمستوى متميز على صعيد التشخيص والعلاج، ومن خلال تسهيل إجراء البحوث والدراسات الطبية المعتمدة على أحدث الأساليب والأدلة العلمية، وتفعيل الممارسات الأكثر كفاءة، وتطبيق النظم الأكثر فاعلية والأقل تكلفة.