اختارت «رابطة العلاقات الدولية» أن تعقد الاحتفالية بعيدها السنوي الستين، هذا العام، في مدينة تورنتو الكندية. وهذه الرابطة، هي المعادل العلمي أو الأكاديمي لمنظمة الأمم المتحدة، وكان أول اجتماعاتها في الولايات المتحدة في سنة 1959، أي 14 عاماً بعد بداية الأمم المتحدة.
وقد شهد عام 1959 ذاته قيام الثورة الكوبية التي أفضت إلى قيام أول نظام شيوعي في أميركا اللاتينية، أي في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، مما كاد يتسبب في صدام نووي جعل العالَمَ كلَّه في عام 1962 يرتعد من كارثة صدام يؤدي إلى فنائه. وهي أزمة خليج الخنازير التي أجبرت القطبين الأعظمين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) على إنشاء «الخط الساخن» للاتصال المباشر بينهما لتجنب فخ الانتحار المتبادل.
وقد بدأت منظمة العلاقات الدولية (ISA) بـ200 عضو فقط، كلهم تقريباً أساتذة في الجامعات الأميركية، أما الآن فيصل عدد أعضائها إلى 6800، أي أن حجم عضويتها تضاعف حوالي 34 مرةً. والأهم من ذلك هو أن معظمهم من خارج الولايات المتحدة. وهكذا أصبحت هذه الرابطة بالفعل منظمة عالمية، وانعكس هذا على موضوعات نقاشاتها، بل أيضاً على تنظيماتها وطريقة عملها، كما يتضح هذا من الـ1348 بنداً التي عالجتها هذا العام في حوالي 1246 ورشة عمل ومائدة مستديرة.
العالمية تنعكس أيضاً في عدم اقتصار اجتماعاتها على المدن الأميركية الرئيسية، مثل واشنطن ونيويورك وبوسطن وسان فرنسيسكو ونيوأورلينز.. ولا حتى أميركا الشمالية نفسها، بل تذهب الآن إلى أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، حيث ينعقد لقاء عالمي في يوليو في العاصمة الغانية أكرا.
وعندما تعود الرابطة إلى الولايات المتحدة في اجتماعها السنوي الحادي والستين، فإن هذا سيكون في هاواي في المحيط الباسفيكي، وهي أقرب إلى آسيا جغرافياً منها إلى واشنطن أو نيويورك.
وبالإضافة إلى هذه العالمية المتزايدة التي لا تسمح مساحة هذا المقال بتفصيلها، فإن التطور الثاني الكبير هو تجسير الفجوة بين التحليل الأكاديمي البحت والتطبيق السياسي العملي. لا يزال التحليل الأكاديمي العلمي هو الأكثر تصدراً بالطبع، لأن هذا هو أساس هذه الرابطة والهدف الذي أنشئت من أجله منذ 60 عاماً، وهو ما يجعلها مختلفةً عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. لكن الآن يزداد الطابع التطبيقي أكثر، ويتضح هذا من مشاركة العديد من غير الأكاديميين الذي يعملون في المنظمات الدولية المختلفة، حكومية أو غير حكومية، وكذلك الدبلوماسيون وغيرهم من الموظفين، وهدف هؤلاء هو شرح تجاربهم، ولكن أيضاً الإطلاع على أحدث النظريات والأبحاث عن معضلات الأمن أو تحديات اتخاذ القرارات في زمن العولمة.
ومما يؤشر أيضاً على تجسير تلك الفجوة، الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء الكندي إلى المجتمعين في تورنتو.
وتنعكس العالمية وتجسير الفجوة بين البحث العلمي والتطبيق السياسي في موضوعات المناقشة؛ فمن الناحية الجغرافية مثلاً نجد أن غالبية الموضوعات تتعلق بالجنوب بما فيه منطقتنا بالطبع، ليس فقط موضوعات التنمية التقليدية، وإنما مشكلات أخرى مثل: الصراعات، وسباق التسلح، وتطور الدولة، وتحديات ظاهرة الدولة الرخوة أو الفاشلة.
المقارنة بالاجتماعات السنوية الأخرى فيما يتعلق بمنطقتنا تبرز نقطتين في هذا العرض السريع:
1- التدهور النسبي في التركيز على الصراع العربي الإسرائيلي، وتزايد الاهتمام بمنطقة الخليج، خاصة في ظل التحديات الإقليمية.
2- التركيز أكثر فأكثر على التطورات الداخلية في دول المنطقة، كأساس لما يحدث إقليمياً، بما في ذلك «نظرية الحروب الجديدة» في بلدان مثل سوريا واليمن وليبيا.