يوم الاثنين الماضي، أعلنت الصين رسوماً جمركية جديدة على 60 مليار دولار من الصادرات الأميركية، فيما هددت الولايات المتحدة برسوم جمركية جديدة على ما يصل إلى 300 مليار دولار من السلع الصينية. هذان العملان أشيرَ إليهما باعتبارهما السبب الرئيسي لتراجع بأكثر من 600 نقطة في مؤشر داو جونز الصناعي. وبالنظر إلى أن القيمة الإجمالية للأسهم الأميركية تناهز 300 تريليون دولار، فإن هذا التراجع يمثل أكثر من 700 مليار دولار من الثروة التي خُسرت.
غير أن هذا لم يكن حدثاً معزولاً. ففي مرات مختلفة العام الماضي تذبذبت الأسواق رداً على حالة المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. والواقع أن حساسية السوق للتهديدات والتهديدات المضادة جديرة بالملاحظة إلى حد كبير. وعلى سبيل المثال، فإن الإعلان الصيني يوم الاثنين من المتوقع أن يرفع رسوم الصين الجمركية بنحو 10 مليارات دولار. معظم ذلك سيتخذ شكل أسعار أعلى بالنسبة للمستوردين الصينيين، وبعضه سيتم تجنبه عبر تحويل صادرات السلع مثل الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق أخرى، وبالتالي فإن التأثير على أرباح الشركات الأميركية سيكون أقل بكثير من 10 مليارات دولار. وفي الأثناء، من المحتمل أن ترفع رسومُ الولايات المتحدة الجمركية أرباحَ الشركات في وقت تدفع فيه تكاليف الاستيراد الأعلى بعض الشركات نحو المنتجين المحليين.
غير أنه لم يكن ينبغي للاعبين العقلانيين في السوق أن يستبعدوا كلياً إمكانية زيادات في الرسوم الجمركية الاثنين، كما لا شك في أنه ما زالت ثمة فرصة للتوصل لاتفاق تجاري. وبالتالي، فإن السوق ما كان ينبغي أن يتحرك بهذا الشكل على إثر تغير ربحية الشركات على خلفية الرسوم الجمركية الجديدة.
وعليه، يمكن القول إن هناك لغزاً يشي بالكثير في هذا الموضوع. ذلك أن أحداثاً تأثيرها المباشر على أرباح الشركات هو بضعة مليارات دولار، يبدو أنها تتسبب في تذبذبات سوقية تغيّر إجمالي قيمة الشركات بمئات المليارات من الدولارات. والحال أنه بأي عملية حسابية لحساب التأثير المباشر لتغيرات الرسوم الجمركية على الربحية، أو عدم اليقين بشأن الربحية، لا يمكن تبرير نوع التغيرات الذي حدث في القيمة السوقية مثلما رأينا يوم الاثنين، أو في العديد من الأيام الأخرى عندما كانت ثمة أخبار حول وضع المفاوضات التجارية الأميركية الصينية.
وفي اعتقادي، فإن جزءاً من الجواب على اللغز يكمن في ميل الأسواق إلى المبالغة أحياناً في رد الفعل على الأخبار. لكن جزءاً أكبر من الجواب ربما يكمن في فكرة أن النزاع التجاري الحالي يمثل مقدمة أو توطئة ممكنة لنزاع أكبر بكثير بين الدولتين صاحبتي أكبر اقتصادين في العالم. ذلك أنه عندما يبدو أن الاحتمال ضئيل في أن يتم حل نزاع حول مشاكل تجارية محددة بشكل جيد، وليست بتلك الصعوبة الكبيرة التي قد يتصورها البعض، يخلص المراقبون العقلانيون إلى أن الاحتمال ضئيل أيضاً في أن تستطيع الولايات المتحدة والصين تدبير مشاكل مختلفة، من تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس إلى كوريا الشمالية، ومن مستقبل تايوان إلى تغير المناخ العالمي، ومن تدبير العولمة إلى الهندسة الأمنية لمنطقة المحيط الهادئ.
والحال أن عالَماً حيث العلاقات بين الولايات المتحدة والصين صدامية إلى حد كبير، قد يشهد انهياراً لسلاسل الإمداد، وبلقنةً للإنترنت، وزيادةً كبيرة في نفقات الدفاع، وربما حتى نزاع عسكري. وكل هذا سيكون كارثياً بالنسبة لمستويات المعيشة، كما ستكون له تأثيرات سلبية جداً على قيمة الشركات العالمية.
وشخصياً، أعتقد أن الخطر الأكبر المتمثل في نتائج كارثية متوسطة المدى، وليس التأثير المباشر للنزاعات التجارية، هو الذي كان وراء ردود الفعل الكبيرة جداً للأسواق على خبر المفاوضات التجارية.
وهذا ينطوي على درس مهم للجانبين: أنه من الخطر تحويل السعي وراء حتى الأهداف الوطنية الحيوية إلى حرب وجودية. وبالمقابل، فإنه من المهم، حتى عندما تكون للدول أهداف متعارضة، البحث عن توافقات وحلول وسطى، وتجنب الخطاب الناري، وتضييق، بدلاً من تكبير، المجالات حيث توجد مطالبات. ولا شك أن تأسيس مصداقية بأن الوعود سيتم الوفاء بها، وأن المفاجآت سيتم تجنبها، هو أمر مهم للغاية مع الخصوم مثلما هو مع الأصدقاء.
وبينما تواصل إدارة ترامب المفاوضات التجارية وترتفع سخونة حملة الانتخابات الرئاسية، يجدر بالأميركيين أن يتذكروا أنه لا يوجد تهديد لنجاح مشروعنا القومي على مدى خمسة وعشرين عاماً المقبلة أكبر من سوء إدارة العلاقة مع الصين. فإن يكون المرء قوياً وحازماً من دون أن يكون مستفزاً، أمر ليس ممكناً فقط ولكنه أساسي أيضاً!

*أستاذ بجامعة هارفارد ورئيسها السابق، ووزير الخزانة الأميركي (بين عامي 1999 و2001)
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»