الواقع أنه كان من المفترض ألا يبدؤوا حرباً تجارية حتى أعود من الإجازة. لكن طالما أنني أجلس الآن في مقهى في الهواء الطلق مع قهوتي، فكرت في أخذ بضع دقائق لتصحيح تصورين خاطئين أعتقد أنهما يشوهان النقاش حول الحرب التجارية.
وهنا لا أقصد تصورات الرئيس دونالد المنافية لكل ما قرأناه حول الاقتصاد. لكن منتقدي ترامب لديهم هم كذلك بعض التصورات الخاطئة، أو على الأقل تضخيم في الحديث عن بعض الأخطار وتقليل من شأن أخرى. فمن جهة، تميل الكلفة قصيرة المدى للحرب التجارية إلى أن تكون مضخّمة ومبالغاً فيها. ومن جهة أخرى، يمكن القول إن التداعيات طويلة المدى لما يحدث أكبر مما يبدو أن معظم الناس يدركونه.
بيد أن كل هذا يتعلق فقط بالجوانب الاقتصادية للحرب التجارية، والتي قد تكون الجانب الأقل أهمية في ما يحدث حالياً. ذلك أن السياسة التجارية لا تتعلق بالأمور الاقتصادية فحسب، ولكنها تتعلق أيضاً بالديمقراطية والسلام. وهذا واضح وجلي في أوروبا، حيث تعود جذور الاتحاد الأوروبي إلى مجموعة الفحم والفولاذ في أوائل الخمسينيات، وهي معاهدة ذات مزايا اقتصادية حقيقية، لكنها كانت ثانويةً مقارنة بهدفها الحقيقي، متمثلاً في منع أي حروب في المستقبل بين فرنسا وألمانيا. وإلى ذلك فإن عضوية الاتحاد الأوروبي ظلت مرهونة بالدمقرطة، لهذا مثل رد الفعل المتهاون للاتحاد الأوروبي إزاء تراجع الديمقراطية في المجر وبولندا إخفاقاً كبيراً.
وقد نشأ النظام التجاري لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية انطلاقاً من رؤية كوردل هل، وزير خارجية الرئيس روزفيلت، الذي كان ينظر إلى العلاقات التجارية بين الدول كطريقة لدعم السلم. فهذا النظام، باتفاقياته وقواعده الهادفة لمنع التحركات أحادية الجانب، كان منذ البداية جزءاً أساسياً من «باكس أميركانا» («عهد السلام الأميركي»). وكان أساسياً لنظام ما بعد الحرب، لاسيما صندوق النقد الدولي المعني بتوفر شبكة سلامة للبلدان التي تعاني مشاكل في ميزان المدفوعات، أو حلف «الناتو».
لذلك، فإن حرب ترامب التجارية ينبغي أن يُنظر إليها كجزء من خياراته السياسية، لاسيما موقفه من حلفائنا وعدم اكتراثه بالديمقراطية في الداخل والخارج معاً.
وقد يقول قائل: إن الصين ليست حليفاً ولا هي ديمقراطية! والحقيقة أن ترامب كان يخوض حرباً تجارية ضد الجميع تقريباً، وإن بحدة أقل. فعندما تفرض تعريفات على واردات الفولاذ الكندي، بناء على ادعاء مفاده أنها تعرِّض الأمن القومي للخطر، وعندما تهددُ بفعل الشيء نفسه مع السيارات الألمانية، فإنك لا تقوم بإنشاء تحالف استراتيجي للتعاطي مع الصين المنافسة، ولكنك تمزق ما تبقى من «عهد السلام الأميركي».
لكن، أليس هذا شيء يمكن تجنبه على كل حال؟ لا أعتقد هذا. صحيح أن الهيمنة الاقتصادية الأميركية تتآكل وتضعف مع مرور الوقت، ليس لأننا نزداد فقراً، وإنما لأن بقية العالم تزداد غنى. لكن كان ثمة سبب للأمل في إمكانية استمرار نظام دولي سلمي نسبياً بوساطة تحالف مؤلف من القوى الديمقراطية. والحقيقة أنه حتى بضع سنوات مضت، بدا لي أننا نرى ذلك يحدث للنظام التجاري العالمي، الذي كان ينتقل من هيمنة أميركية حميدة إلى هيمنة مشتركة أميركية أوروبية حميدة أيضاً.
غير أنه في هذه المرحلة تبدو الأمور أكثر قتامة بكثير. والسبب ليس ترامب ولا بريكست. ذلك أن الأوروبيين أخذوا يتحولون إلى مصدر خيبة أمل كبير. وكما قلتُ، إذا كانوا لا يستطيعون التعامل حتى مع أمثال فيكتور أوربان داخل مجموعتهم، فإنهم بالتأكيد ليسوا في مستوى توفير الزعامة التي يحتاجها العالم.
وإذا كان الأوروبيون ضعفاء والأميركيون غير مكترثين، فذلك يكفي لجعل العالم مكاناً أكثر خطراً وأقل ديمقراطية.. أي ما تمثّل الحرب التجارية مظهراً له.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/05/11/opinion/killing-the-pax-americana.html