أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في الثامن من مايو الجاري أن بلاده ستوقف بيع فائض مخزونها من اليورانيوم المخصب والماء الثقيل، إذا لم تف الدول الموقعة على الاتفاق النووي، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، بتعهداتها بمقتضى الاتفاق المبرم عام 2015. وأمهل روحاني الدول المتبقيةَ في الاتفاق 60 يوماً للوفاء بالتزاماتها المصرفية والنفطية لإيران، وإلا فإن الأخيرة ستتخذ إجراءات إضافية تشمل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، واستئناف تطوير مفاعل «آراك» للماء الثقيل. لكنه قال بأن طهران مستعدة للتفاوض بشأن برنامجها النووي. وفي الوقت ذاته أبلغت وزارة الخارجية الإيرانية سفراء الدول الخمس تعليق طهران بعض تعهدات الاتفاق. فهل تمارس إيران سياسة حافة الهاوية للحصول على مكاسب؟ وعلى ماذا تراهن في علاقاتها مع الدول الملتزمة بالاتفاق النووي؟ وكيف سيكون موقفها مستقبلا من مسألة البقاء في الاتفاق؟ وما خياراتها البديلة؟
تزامن القرار الإيراني مع ذكرى مرور عام على إعلان الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، حيث عاد الجدل من جديد حول مسألة بقاء إيران في الاتفاق النووي. فإيرانياً لطالما تم توظيف مسألة البقاء في الاتفاق النووي في الجدل السياسي الداخلي بين اتجاه ينتقد حكومة روحاني على تمسكها بالاتفاق وبين اتجاه يرى بان الانسحاب منه لا يصب في مصلحة إيران حالياً بل ستترتب عليه خسائر فادحة. لذا يأتي خطاب روحاني موجهاً للرأي العام الإيراني في المقام الأول، خصوصاً للتيارات التي تضغط للانسحاب من الاتفاق، وذلك للقول بأن إيران تستطيع الرد على العقوبات الأميركية وبأنها تملك أدوات الضغط المناسبة وبإمكانها أن تهدد الدول الأوروبية خاصة. أما خارجياً فالخطاب الموجه لواشنطن هو أن إيران مازالت متمسكة بالاتفاق النووي وإن خطوتها هذه أولية، وإنها تمتلك خيارات متعددة وبإمكانها اتخاذ خطوات أخرى بالاستناد إلى البنود 23 و26 و37 من الاتفاق ذاته. أما الرسالة الأبرز فهي تلك الموجهة للدول الأوروبية (بالإضافة إلى روسيا والصين)، حيث تسعى إيران من وراء مهلة الـ60 يوماً والتلويح بالخروج من الاتفاق إلى القول بأن الآلية التي طرحها الأوروبيون لم تجدِ نفعاً ولم تمكّن إيران من الحصول على المردود الاقتصادي المتوقع.
وإيرانياً تخضع مسألة البقاء أو الانسحاب من الاتفاق النووي لحسابات معقدة متعلقة بحجم المكاسب والخسائر التي ستجنيها إيران من البقاء أو الانسحاب، فضلًا عن حسابات وثيقة الصلة بتكلفة الخيارات البديلة، إذ تعرف طهران أن خيار المواجهة مكلّف جداً وأن لجوءها للاستمرار في تخصيب اليورانيوم والتهديد بتخطي العتبة النووية، يعني هدم الاتفاق نهائياً، وهو خط أحمر سيتشكل معه إجماع دولي مضاد لإيران لا تستطيع تحمل عواقبه.
من الواضح أن الرهان على بقاء الاتفاق النووي وفق صيغة «4+1» لم يعد مجدياً، فالدول الأوروبية فشلت في خلق آليات مالية مستقلة بعيداً عن الدولار، لكن التهديدات الإيرانية ومهلة الـ60 يوماً لن تجدي نفعاً في تحفيز المجتمع الدولي لمساعدتها أو للضغط على الولايات المتحدة لتغيير سياساتها. فإيران، وحتى هذه اللحظة، لا تزال تعلن تمسكها بالاتفاق، لذلك فهدفها من التصعيد هو التفاوض للوصول إلى اتفاق جديد بدعم من الدول الأربع التي أعلنت تمسكها بالاتفاق النووي، خاصة أن الرئيس ترامب عبّر عن رغبته بالحديث مع القيادة الإيرانية بشأن التخلي عن برنامجها النووي قائلاً: «يجب أن يتصلوا.. إذا فعلوا ذلك فسنكون منفتحين على الحديث معهم». لذا فرهان طهران اليوم هو على العودة لطاولة المفاوضات مع واشنطن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وصولاً لاتفاق جديد عبر سياسة حافة الهاوية التي يمارسها الطرفان.