أنهى وقف لإطلاق النار يوم الاثنين الماضي واحدة من أسوأ جولات القتال بين إسرائيل و«حماس» منذ 2014. فقد مات أربعة إسرائيليين وأكثر من 20 فلسطينياً خلال يومين من القتال، الذي أعقب مظاهرة عنيفة بمحاذاة السياج الحدودي الذي يفصل بين إسرائيل وقطاع غزة وإطلاق النار على جنديين إسرائيليين. المنظمات القتالية الفلسطينية أطلقت 700 صاروخ تقريباً على إسرائيل، معظمها لم يتسبب في أذى، ولكن عدداً منها أصاب منازل أو أهدافاً أخرى في إسرائيل.
ومن جانبها، قصفت إسرائيل مئات الأهداف في غزة، مستهدفةً منشآت منظمتي حماس و«الجهاد الإسلامي»، وقاتلة قائداً عسكرياً زعمت أن له علاقات مع إيران، مستأنفة بذلك ممارسة القتل المستهدف التي كانت قد جمدتها. وكما هو الحال دائماً، فإن ثمة خلافاً شديداً حول المسؤول عن موت المدنيين، ولكن على الجانب الفلسطيني ضمت قائمة القتلى امرأتين حاملين وطفلين.
أحدث جولة من القتال بين إسرائيل وحماس تُبرز ليس فقط الإمكانيات المستمرة للحرب في غزة، ولكن أيضا لماذا لم ينفجر الوضع القابل للاشتعال هناك ويتطور إلى حرب شاملة. بعض المواطنين الإسرائيليين دعوا رئيسَ الوزراء بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع إلى تصعيد القتال، وبعض المقاتلين الفلسطينيين يرحبون بقتال أوسع. ولكن لكلي الطرفين أسباباً لضبط النفس.
فزعماء «حماس» يدركون نقاط ضعفهم العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ذلك أن حرباً طويلة لن تحقق لهم الكثير، وستترك غزة في حال أسوأ حتى مما كانت عليه. ومن جانبها، تدرك إسرائيل أن نظاماً متطرفاً ضعيفاً في غزة أفضل من انهيار النظام في القطاع أو صعود منظمة أكثر تشدداً هناك. ومثلما يقول محلل الشؤون الأمنية الإسرائيلي غابي سيبوني، «إذا أسقطت إسرائيل نظام حماس، فمن سيخلفها؟ إن كل البدائل سيئة».
ولهذا، فإن إسرائيل تستخدم ما يكفي من القوة للإبقاء على «حماس» ضعيفة وإرسال رسالة مفادها أن إطلاق النار والهجمات الصاروخية ستقابل بعقاب شديد، ولكنها تضبط نفسها لتجنب تفجر كامل للوضع. غير أنه على كلا الجانبين، يمكن للأوضاع السياسية الداخلية والتصورات الخاطئة أن تؤدي إلى قرارات يمكن أن تتسبب في خروج العنف عن نطاق السيطرة.
ولطالما استخدمت «حماس» الهجمات الصاروخية أو تسامحت معها من أجل لفت الانتباه العالمي إلى غزة – وفشل إسرائيل المفترض في الوفاء بالاتفاقات السابقة التي كانت ستسمح بمزيد من الأنشطة الاقتصادية والتنمية في القطاع. وإضافة إلى ذلك، فإن الحركة هذه المرة ربما ظنت أن الوقت مناسب، على اعتبار أن إسرائيل تحتفل هذا الأسبوع بـ «يوم الشهداء» و«يوم الاستقلال»، ولأنه في غضون أسبوع ستحتضن تل أبيب مسابقة «يوروفيجن» الغنائية. وبالتالي، فربما كانت إسرائيل أكثر حساسية لأي اضطراب. وبشكل عام، ربما تسعى «حماس» لأن ترسل للعالم – بما في ذلك إدارة ترامب -- رسالة مؤداها أنه لا يمكن تحقيق أي اتفاق سلام من دون موافقة «حماس» الضمنية.
«حماس» تحكم غزة على نحو غير فعال، ما يعيق قدرتها على كسب زعامة القضية الفلسطينية. وإسرائيل ومصر تحكمان السيطرة على حدود غزة، والسلطة الفلسطينية – تقوم بمراقبة المال الذي يذهب إلى غزة (وإضعاف حماس). والبؤس والركود الناتجان عن ذلك هما أحد الأسباب التي تجعل «حماس» مستعدة للمجازفة بقتال: أن تُظهر للمقاتلين أنها تقف في وجه إسرائيل وأن تقول للغزيين المحبطين إنها لن تقبل بوضع راهن بئيس.
غير أن غياب حرب شاملة شبيهة بما حدث في 2014 يؤشر إلى أن كلا الجانبين يرفضان التصعيد. فقذائف «حماس» تنشر الرعب وبعض الموت، ولكنها لا تمثل استراتيجية عسكرية رابحة، كما أن الحركة سارعت إلى الدفع في اتجاه وقف لإطلاق النار. وعلى الجانب المقابل، أنهى رد إسرائيل القوي والمتوازن معا وابلَ القذائف من دون إسقاط الحكومة في غزة، وأثار انتقادات دولية قليلة (هذه المرة، على الأقل).
المشهد السياسي الداخلي على الجانبين شيء لا يمكن التنبؤ به. فقائد الأركان الإسرائيلي السابق باني غانتز، الذي كاد يُسقط نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، قال إن وقف إطلاق النار يمثل «استسلاما آخر لابتزازات حماس والمنظمات الإرهابية». وبالمقابل، فإن المشهد السياسي على جانب حماس يعتبر أقل شفافية، ولكن المتشددين من المحتمل أن يضغطوا في اتجاه مقاربة صدامية أكثر إذا واصلت الحركة التخبط. وفضلاً عن ذلك، فإن قادة «حماس» يواجهون المنافسة من منظمات أكثر تشدداً مثل «الجهاد الإسلامي»، إضافة إلى متشددين على نمط «داعش» يرفضون أي نوع من التنازلات.
ولا شك أن من شأن مقترحات جادة بشأن المستوطنات وتحرك نحو اتفاق سلام أوسع أن يخدم مصلحة إسرائيل جيداً على المدى الطويل. ولكن هذا لن يحدث من دون دفع من واشنطن أو تغير في موقف الإسرائيليين وزعمائهم، ولكن أيا من ذلك يبدو مستبعداً الآن. وعليه، ففي الوقت الراهن قد يكون اشتباك محدود ومتفرق أفضل نتيجة يمكن أن نأملها.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس