أعلنت مدارس أتلانتا العامة في فبراير الماضي أن كل طالب من طلابها، البالغ عددهم ستة آلاف، سيحصل على جهاز كمبيوتر لابتوب جديد، مع إمكانية دخول لاسلكية للإنترنت، فيما وصفته المشرفة ميريا كارستارفن بأنه «الأدوات التي يحتاجونها للنجاج في الحياة والمنزل». وبالمثل، ومن أجل التصدي لـ«التفاوت الرقمي»، قدمت المدارس في سانت لويس بولاية ميزوري، لتلامذتها أجهزة كمبيوتر لابتوب، كما بدأت المكتبات المحلية هناك تقديم أكبر كم ممكن من الأجهزة المزودة بحزم إنترنت عريضة. وتقدم مقاطعة أرلينجتون بولاية فيرجينيا إمكانية اتصال «واي فاي» مجانية للسكان منخفضي الدخل الذين لديهم أطفال في عمر المدرسة. لكن ما المشكلة التي يحاولون حلها؟ يشار عادةً إلى أن «التفاوت الرقمي» يتعلق بإمكانية الدخول إلى الإنترنت، لكن على الأقل حين يتعلق الأمر بالعرقية والدخل، تصبح هذه الفجوة غير مهمة إلى حد كبير. وصانعو السياسة منشغلون بجَسر فجوة زائفة، ما يمنعهم من ملاحظة الفجوة الحقيقية التي أمام أعينهم.
والتفاوت الحقيقي يتمثل في الوقت الذي ينفقه الطلبة أمام شاشات الكمبيوتر، وهنا تكون الفجوة هائلة. والأطفال الأقل مزايا اجتماعية يحظون بإمكانية دخول أكبر إلى الشاشات وليس العكس. وتشير بيانات لعام 2018 من مركز «بيو» البحثي، إلى أن الأميركيين البيض والسود والمنحدرين من أميركا اللاتينية (الهسبانك) يستخدمون الإنترنت بمعدلات متطابقة فعلياً. والشيء نفسه ينطبق على المراهقين الذين تكاد تكون أجهزة الهواتف الذكية بينهم شبه شاملة. وحتى حين يتعلق الأمر بأجهزة الكمبيوتر، تصبح الاختلافات هامشية. وعدد أقل قليلاً من المراهقين الهسبانك يتمتعون بإمكانية الدخول إلى هذه الأجهزة. لكن حتى في هذه الحالة، هناك 82% منهم يستخدمون أجهزة الكمبيوتر. ومقدار الوقت الذي ينفقه المراهقون مع هذه الأجهزة يتأثر كثيراً بكل من العرقية وتركيبة الأسرة.
وتشير بيانات من «مسح الأسر الأميركية» ومن «ديزرت نيوز» ومن «مركز دراسة الانتخابات والديمقراطية» في جامعة «بريجهام يانج»، إلى أن الأسر التي بها أبوان بيولوجيان متزوجان، ينفق فيها 49% من المراهقين أقل من ساعة أمام الشاشات يومياً، و15.1% ينفقون أكثر من ثلاث ساعات. وفي الأسر التي بها أحد الأبوين فقط أو الأبوان فيها مطلقان، ينفق 31.9% من المراهقين أكثر من ثلاث ساعات في اليوم أمام الشاشات. وهذا النموذج ينطبق أيضاً على الصور الأخرى من وسائل الإعلام. وتقل احتمالات أن ينفق المراهقون الذين ينشؤون في منازل يعيش بها الأبوان البيولوجيان المتزوجان وقتاً طويلا في مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو.
وتقل بشكل غير متناسب احتمالات وجود أسر من السود بها أبوان متزوجان، ولذا يحتمل أن يستخدم المراهقون السود مواقع التواصل الاجتماعية أكثر من نظرائهم البيض. لكن العرق يرتبط بشكل مستقل باستخدام الشاشات. ففي أسر البيض التي بها أبوان متزوجان، هناك 54.7% من المراهقين ينفقون أقل من ساعة في اليوم أمام الشاشات، وفي الفئة نفسها من أسر السود تبلغ النسبة 28.4%. والتوجه ينطبق على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك 17.2% من المراهقين البيض من أسر لأبوين متزوجين ينفقون أكثر من ساعة ونصف في مواقع التواصل الاجتماعي. و32.1% من المراهقين السود في هذه الأسر ينفقون مثل هذا المقدار من الوقت.
وهذه النتائج تتسق مع عمليات مسح أخرى مبكرة صادرة عن مركز «كومن سينس ميديا» وجامعة نورث ويسترن. والواقع أنه في العقد الذي سبق دراسة جامعة بيرجهام يانج، تضاعفت الفجوة في الاستخدام اليومي لوسائل الإعلام بين الشباب من البيض والأقليات.
وهذه الأرقام مزعجة لأي شخص مهتم بالفجوة العرقية في الإنجاز الأكاديمي، والسمنة، بل واضطرابات الانتباه. ففي عام 2016، كان 87% من الطلاب البيض في الصف الثاني عشر متقدمين على الطلاب المتوسطين من السود في المرحلة نفسها في القراءة. فالوقت الذي ينفقه الطلاب أمام الشاشات يُقتطع من الوقت الذي ينفق على الواجب المدرسي والقراءة من أجل الاستمتاع، وحتى التواصل وجهاً لوجه الذي نعلم أنه يعزز مفردات التلاميذ. ويعتقد باحثون أن الأطفال السود أكثر عرضة لأنْ تظهر عليهم علامات اضطراب الافتقار إلى الانتباه. وزيادة الوقت المنفق أمام الشاشات يرتبط باحتمالات أعلى بأن يعاني الطفل مشكلات في الانتباه. واحتمالات إصابة الأطفال السود بالسمنة أكبر مرة ونصف عن الأطفال البيض.
والوقت الذي ينفق أمام الشاشات يعني إنفاق وقت أقل في الخارج، ومشاركةً أقل في أي نوع من النشاط البدني. والأطفال يميلون إلى تناول طعام أقل صحية، ويكثرون منه حين يكونون أمام الشاشات. ومع تزايد وعي الآباء من الطبقة العليا بالمشكلات التي يتسبب فيها إنفاق وقت طويل أمام الشاشات، أصبحوا يقيدون استخدام أطفالهم للشاشات. لكن لا غرابة، وبسبب المصالح الاقتصادية لصناعة التكنولوجيا، يقول هؤلاء ما لا يفعلون فيما يبدو. فقد أدركوا مشكلات أطفالهم وقلصوا استهلاكهم لوسائل الإعلام. أما بالنسبة لباقي أطفال البلاد، فهم لا يتوانون عن جعلهم يفرطون في استهلاك وسائل الإعلام.


*باحثة مقيمة في معهد أميركان انتربرايز
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»»