هناك من يحاولون استغلال البلدان التي تمر بمراحل انتقال سياسي لفرض أجندة لا تخدم الاستقرار الشامل في المستقبل، ولا تؤسس لسيادة القانون وبناء الدولة الحديثة التي ترعى جميع أبنائها. بينما تقوم سياسة الإمارات إقليمياً على دعم الاستقرار المنتج الذي يمنح شعوب المنطقة على المدى الطويل فرص التفرغ للنهوض والتنمية. ولدينا في الإمارات تجربة تنموية تأسست على الوعي بقيمة الاستقرار والتلاحم وسيادة القانون والتسامح والتعايش واستثمار الموارد والتخطيط للاستدامة. وانطلاقاً من هذه المرجعية تبذل الإمارات جهودها إقليمياً لدعم أشقائها العرب، من منظور الأخوة والتعاون، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل. وبالإضافة إلى أن من مصلحة الإمارات أن ينعم محيطها ومجالها الحيوي بالأمان والتعافي من كل الاختلالات، وأن تتخلص دول المنطقة من التوترات والإشكالات الاقتصادية والأمنية والسياسية، فنحن جزء لا يتجزأ من محيطنا العربي، وعندما يستقر ذلك المحيط ينعكس استقراره بشكل إيجابي على الجميع. مما يعني أن كل الجهود التي تقوم بها الإمارات تقوم على مبدأ تحقيق المصالح المشتركة وبدوافع تنحاز للارتقاء بحياة الإنسان العربي، بعيداً عن استنساخ البعض للأوهام والأيديولوجيات التي تخدم الإرهاب والتطرف وتعيق استثمار الموارد والطاقات البشرية.
ولا شك في أن الأدوار الخارجية للدول تقوم على مبدأ تحقيق المصالح المشتركة، وتبعاً للواقع الذي يفرض نفسه، بتداعياته الأمنية والسياسية التي تتطلب تحركاً لتلبية ما تقتضيه التحولات والمستجدات. وبخاصة أن تداخل المصالح وترابط الجغرافيا يجعلان حرص الدول على تأمين مجالها الحيوي من الأمور البديهية، وخاصة في عصر يتفشى فيه الإرهاب وتحضر الفوضى.
لذلك فما تقوم به الإمارات لا يخرج عن متطلبات السياسة الخارجية لأي دولة حريصة على أمن إقليمها ومنطقتها. إضافة إلى دوافع الأخوة العربية التي تكسب التحركات الإماراتية أبعاداً تتصل بالواجب نحو الأشقاء، رغبةً في أن يعم الخير والازدهار والسلام دول المنطقة كافة.
لكن من يتابع جنون الإعلام القطري وخطابه المتوتر، يلاحظ مدى تركيزه على التشكيك في الدور الإقليمي الذي تقوم به دولة الإمارات. إضافة إلى سعي الدوحة لإبراز مخاوف المتطرفين تجاه الجهد الذي تبذله الإمارات لدعم استقرار وازدهار الدول التي تواجه بعض الاختلالات السياسية والأمنية. وخاصة أن الآلة الإعلامية القطرية تتحرك برافعة إخوانية، ولديها حساباتها وأجندتها المعنية بتمكين الأصولية من الحكم، وبالتالي رعاية الفوضى وتمويل الجماعات التي لا تنتعش ولا تجد ذاتها إلا في غياب القانون، وفي ظل انهيار هيبة الدولة. وأينما وجدت الفوضى تجد الإعلام القطري يطبل لها ويشكك في جهود من يساعدون على استعادة الاستقرار.
وعلى سبيل المثال تتحرك قطر بكل إمكاناتها المالية في سبيل الإبقاء على الوضع في ليبيا عالقاً، بدون بناء مؤسسات وأجهزة دولة ترعى مصالح الليبيين. لأن حماية قطر للفوضى وتشجيع استمرارها في ليبيا يخدم المجموعات المتطرفة المسلحة التي تراهن عليها الدوحة في تحويل ليبيا إلى ساحة دائمة لتيارات الإرهاب والعنف.
وبعيداً عن ليبيا لا تهدأ التحولات في المنطقة العربية ولا يتوقف السعي نحو الاستقرار، لكن بالعودة إلى مربع الصفر. وأخطر ما تمر به الدول هو الدخول في مرحلة الفراغ السياسي الذي تدفع الشعوب ثمنه اقتصادياً وأمنياً. كما أن الفراغ الأمني والسياسي يتيح لقوى التطرف الإعلان عن وجودها لتحقيق مكاسب يصعب بعد ذلك تفكيكها.
ولمن أراد أن يعرف مدى العبث القطري في المنطقة العربية، عليه أن يلاحظ مواقف الدوحة وسياستها الإعلامية تجاه المناطق الساخنة. فبينما تدعم الإمارات كل ما يعزز حضور القانون وعودة السلم الأهلي وتثبيت الأمن وتفكيك جماعات العنف، تتجه قطر إعلامياً وسياسياً نحو دعم المجموعات المتمردة والطائفية والانقلابية.. بدليل انحيازها للحوثيين الانقلابيين في اليمن، وموقفها الداعم للمليشيات المتطرفة في ليبيا، ومواقف أخرى تجعل كل تحركاتها الخارجية مشبوهة وداعمة للفوضى والإرهاب. وبالطبع هناك إلى جانب الدوحة من يريدون لبعض دول المنطقة التحول إلى مساحة تهيمن عليها تيارات متطرفة، لذلك يعملون على تغذية مجموعات مسلحة تتحرك في هذا الإطار، وفي الوقت نفسه يحرصون على أن تكون مطيعة لمن يحلمون باستعادة خلافة ولّى زمانها.

*كاتب إماراتي