شهدت السنوات القليلة الماضية نمواً كبيراً لأقصى اليمين السياسي في ألمانيا، كما حدث في عدد من دول أوروبا. وحتى مع انحسار أزمة الهجرة في البلاد، تصاعد أداء «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في استطلاعات الرأي، معرقلاً نهج البلد السياسي الوسطي عادة الذي يركز على الإجماع. لكن صعود اليمين المتطرف لم يمر من دون تحدٍ. فقد تبين أنه قوة قادرة على تحفيز حزب «الخضر» الألماني الذي أصبح ثاني أكبر حزب في البلاد، وفقاً لاستطلاعات رأي أجريت في الآونة الأخيرة. فمع تمسك حزب «الخضر» بأفكاره في البيئة، أضاف الحزب مبادئ براجماتية جعلت الحزب وسيطاً قوياً في خريطة سياسية تتغير سريعاً. وركز الحزب في الأساس على تحدٍ يتمثل في إبعاد الشعبويين من الجناح اليميني المتطرف عن السياسة.
ويؤكد «راينهارد بوتيكوفر» الذي شارك في زعامة حزب «الخضر» بين عامي 2002 و2008، ويمثل حالياً الحزب في البرلمان الأوروبي، حيث يشارك هناك في رئاسة حزب «الخضر» الأوروبي «أننا القوة الدافعة لتحديث مجتمعنا على جبهات عدة، وحزب البديل يمثل رد فعل على هذا. إنهم معارضون لسياسة التصدي لتغير المناخ، ومناهضون للانفتاح على العالم، ومناهضون لليبرالية.. ونحن الخضر نمثل كل شيء يكرهونه».
وتبدأ قصة حزب «الخضر» عام 1980 بتحالف متنوع المشارب من الشباب المتمرد ونشطاء البيئة ومتطرفي الجناح اليساري. وأصبح منتسبو حزب «الخضر»، بمواقفهم ومعارضتهم للتسلح النووي ونشر صواريخ حربية أميركية في ألمانيا الغربية، لاعباً في المشهد السياسي، لكن طغى عليهم محافظو الحزب «الديمقراطي المسيحي» والحزب «الديمقراطي الاشتراكي» من يسار الوسط.
وحالياً يلقى تركيز حزب «الخضر» على البيئة صدى في الطبقة الوسطى الألمانية التي تبنت أفكاراً خضراء ثابتة، مثل إنتاج الغذاء العضوي وركوب الدرجات وإعادة التدوير. بالإضافة إلى هذا، يعد حزب «الخضر» هو الحزب الألماني الوحيد المؤيد للاتحاد الأوروبي وصديق للاجئين ورصيده الليبرالي الديمقراطي لا جدال فيه. ونحو 55% من الناخبين الخضر في ألمانيا من النساء، وفقا للسيد بوتيكوفر. وأداء الحزب جيد وسط شباب الناخبين والأمهات المتعلمات ممن لديهن طفلان، فيما يمثل شريحة سكانية مهمة. ويعتقد مايكل فولجيموث مدير ذراع برلين من مركز «أوروبا المفتوحة» البحثي أن الخضر أصبح ينظر رليه باعتباره «أبرز قوة سياسية معارضة لليمين الشعبوي، لأنه يمثل الطبقة الوسطى المؤيدة لأوروبا والشباب وسكان المدن والمجتمتع المفتوح».
وتقليدياً، لا تثق الأنشطة الاقتصادية في الأحزاب البيئية، لكن مع تدفق الإنتاج المستدام والطاقة النظيفة نجح الخضر في كسب دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تمثل العماد الفقري لاقتصاد ألمانيا. وتغير المناخ ومعارضة شعبوية الجناح اليميني من قضايا الحزب المحورية. ويعتقد الناخبون بشكل متزايد أن الخضر أفضل استعداداً لمعالجة هذه التحديات عن الائتلاف الحزبي القائم بين «الديمقراطي الاشتراكي» و«الاتحاد المسيحي» الذي تقوده المستشارة انجيلا ميركل وهو ائتلاف سياسي ديمقراطي مسيحي من يمين الوسط.
وتجددت حيوية الحزب تحت القيادة المشتركة لأنالينا بايربوك، وهي ناشطة محنكة، وروبرت هابيك المثقف والروائي الذي تحول إلى الاهتمام بالسياسة. وفي بلاد تتعرض فيها الصفوف العليا من السلطة لانتقادات عادة بأنها بعيدة عن الشارع وتفتقر للتعاطف، أضفت بايربوك وهابيك طابعاً إنسانياً على العملية السياسية. كما تخلى «الخضر» عن عادة التناحر الداخلي المدمرة بشأن تفاصيل السياسة كي يركزوا على مواجهة أقصى اليمين. ويعتقد «يونج يوهان»، المحلل السياسي في مؤسسة هينريش بول المنتمية لحزب «الخضر»، «قبل ثلاث أو أربع سنوات كان هناك الكثير من الرحلات الداخلية بين الفصائل بشأن تفاصيل السياسة. ومع صعود الشعبويين، حسمت هذه المناظرات عند «الخضر»، لأنهم يحافظون على نزاهتهم ويتمسكون ببرنامجهم».
وهذا وضع الحزب في موقع مؤثر. ففي وقت متأخر من العام الماضي، حقق حزب «الخضر» مكاسب انتخابية في ولاية بفاريا الكاثوليكية المحافظة عادة مما ضاعف من نصيبه في الأصوات مقارنة مع عام 2013. ويقود الحزب أيضا ائتلافاً حكومياً في ولاية «بادن-فورتمبيرج»، مما يجعله الآن أقوى حزب من يمين الوسط في جنوب ألمانيا. ويقبل الناخبون على التصويت للخضر لأنه يعتبر شريك مشروع للأحزاب السياسية الراسخة القدم. ويحكم «الخضر» حالياً في تسعة ائتلافات وسط 16 ولاية ألمانية. وبعض هذه الإنجازات يرجع الفضل فيها إلى التاريخ. فمن عام 1998 إلى عام 2005، كان «الخضر» هو شريك الحزب «الديمقراطي الاشتراكي». لكن طول الغياب عن السلطة ساعد في هذا. فلم يقم الحزب بدور في حكومة مركزية منذ ذاك الحين، متجنباً القضايا الشقاقية، مثل أزمة اليورو والهجرة والسياسة الخارجية.

*صحفي أميركي مقيم في برلين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»