منذ شهور والرئيس دونالد ترامب يعبّر عن غضبه في تغريدات على «تويتر» بشأن أزمة الهجرة الحالية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. وكان قلقه بشأن استمرار تدفق الأسر المهاجرة من أميركا الوسطى والساعية لطلب اللجوء في الولايات المتحدة، وراء تنفيذ البيت الأبيض لعملية تطهير دراماتيكية الأسبوع الماضي لمسؤولي الأمن الداخلي. وتشير بعض التقديرات إلى أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن 1? من كل سكان غواتيمالا وهندوراس قد يتعرضوا للتوقيف على الحدود الأميركية المكسيكية هذه السنة.
الأزمة تخدم خطابَ حملة ترامب بشأن أمن الحدود وضعف منافسيه السياسيين الذين يقول عنهم إنهم راضون عن تعرض البلاد لاجتياح من قبل قوافل «الغزاة» القادمين من الجنوب. ومنذ أن أطلق حملته في 2015، يصوّر ترامب المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود الأميركية باعتبارهم «غرباء» يحملون المخدرات وينشرون الجرائم.
وفي إيماءة لقاعدة الرئيس السياسية، يبحث ترامب وكبار مساعديه عن تدابير عقابية مشددة. لكن بعد سياسة فصل الأسر التي انتُقدت العام الماضي وما خلّفته من استياء، يرغب ترامب الآن في إرسال طالبي اللجوء المحتملين على الحدود إلى «مدن- ملاذات» يديرها الديمقراطيون، في خطوة قد يحكم القضاء بمخالفتها للقانون. كما وعد ترامب بخفض شامل للمساعدات الأميركية المخصصة للسلفادور وهندوراس وغواتيمالا، وهي بلدان «المثلث الشمالي» التي توجد في قلب التدفق.
غير أن ما يهمل مناقشتَه ترامب هو القوى الدافعة لهذه الموجة الحالية للهجرة. والحال أنه أصبح واضحاً أن تغير المناخ يلعب دوراً مهماً في تعميق الفقر وانعدام الأمان الذي يجبر كثيرين على التوجه شمالا. ووفق البنك الدولي، فإن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى مغادرة 1.4 مليون شخص على الأقل لمناطقهم في المكسيك وأميركا الوسطى خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وتُعد أميركا الوسطى إحدى أكثر مناطق العالم تعرضاً للتأثيرات طويلة المدى لارتفاع حرارة الكوكب. ذلك أن سنوات متتالية من الجفاف، والتقلبات الحرارية، وتغير أنماط التساقطات المطرية.. أفسدت المحاصيل وأرغمت الكثير من المزارعين هناك على التخلي عن مزروعاتهم التقليدية.
وقد ركز تقرير مطول نشرته مؤخراً مجلة «ذا نيويوركر»، لكاتبه جونثان بليتزر، على «الممر الجاف»، وهو منطقة في أميركا الوسطى تمتد من بنما إلى المناطق الجنوبية للمكسيك. وتُعتبر الظروف حادة بشكل خاص في المرتفعات التي تربط هندوراس بغرب غواتيمالا، حيث تعرضت موارد رزق ملايين المزارعين للضرر، ليس بسبب قلة الأمطار فحسب، ولكن أيضاً بسبب معدلاتها المفرطة (الفيضانات)، وانزلاقات التربة والأعاصير. ومما فاقم محنتهم البنيةُ التحتية الزراعية المزرية وافتقار الحكومات الوطنية للموارد الكافية لمساعدتهم.
وقدّرت منظمة «الفاو» في 2016 أن 1.6 مليون شخص في أميركا اللاتينية يعانون من انعدام أمن غذائي مستمر جراء تغير المناخ. وفي 2017، وجدت دراسة للأسر المهاجرة من أميركا الوسطى، أنجزها «برنامج الغذاء العالمي»، أن قرابة النصف غادروا بلدانهم بسبب قلة الطعام.
وفي هذا الأثناء، أنهت إدارة ترامب تمويل بعض مشاريع المساعدات المتعلقة بالمناخ، بما فيها بعض البرامج بأميركا الوسطى. وخلافاً لتقييمات وكالات الحكومة نفسها التي يرأسها، أعاد ترامب عقارب الساعة إلى الوراء، محارباً الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ بدلاً من السعي لتخفيف آثاره.
لكن المثير للسخرية هو أنه رغم خطابات ترامب المتشددة بشأن الحدود، فإن مسؤولين كباراً داخل إدارته يدركون القوى الأعمق وراء الأزمة. فالعام الماضي، قام كيفن ماكالينان، رئيس وكالة «الجمارك وحماية الحدود الأميركية» وقتئذ، بجولة شملت بلدان «المثلث الجنوبي» قصد الوقوف على حجم النقص الغذائي العميق وظروف أخرى تتعلق بالهجرة (ماكالينان يشغل الآن منصب وزير الأمن الداخلي بالإنابة)، وقال لزميلي نيك كيروف في سبتمبر الماضي: «إن الفرص الاقتصادية والحكامة تلعب دوراً أكبر بكثير في التأثير على قرار المهاجرين خوض الرحلة شمالاً إلى الولايات المتحدة»، مشيراً إلى أن هذه الظروف المزرية تُعد دوافع أهم للهجرة من التهديد اليومي لعنف العصابات. ووقتها، دعا ماكالينان إلى «حملة متواصلة لمعالجة عوامل الدفع والجذب»، باعتبارها «الحل الوحيد لهذه الأزمة». وعليه، فلا يملك المرء إلا أن يتساءل ما إن كان ترامب قد سمع ذلك.

*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»