شكل اختتام النسخة الثامنة لـ «تحالف عاصفة الفكر» بمدينة شرم الشيخ المصرية مناسبة مهمة لتقييم واقع التعليم والبحث العلمي في العالم العربي وتقديم التصورات والحلول المناسبة للتغلب على مشاكله التي تعانيها معظم البلدان العربية. فعلى مدى يومين من الجلسات النقاشية والحوارات الفكرية، ناقش المشاركون في مدينة شرم الشيخ المصرية خلال اليوم الثاني قضايا الثورة الصناعية الرابعة في مجال التعليم، والمدارس الذكية، والتحولات في منظومة القيم، ودور التعليم العالي والبحث العلمي في دفع المجتمعات العربية نحو المستقبل، وطبيعة مناهج المستقبل، وغير ذلك من المواضيع المهمة. كما لم تغب عن المشاركين علاقة التعليم والبحث العلمي بالجانب التنموي في البلدان العربية، وذلك من خلال الربط بين مخرجاته والثورات الصناعية والرقمية وماهية مناهج المستقبل، وتأثير ذلك في تشكيل قيم وملامح المجتمعات العربية ومستقبل أجيالها.
أما أبرز التوصيات التي خرج بها المشاركون فقد عكست حرصهم على تقديم أطروحات ورؤى غير تقليدية لواقع التعليم في الوطن العربي من خلال طرح تحليل موضوعي قائم على دراسات وإحصاءات، مقارنة مع مختلف دول العالم المتقدم، وذلك للوصول إلى تقديم حلول قابلة للتطبيق تسهم في إخراج التعليم في الوطن العربي من أزمته من خلال التعامل مع مكونات العملية التعليمية المختلفة، والحرص على تطويرها، وصولاً إلى الغاية المنشودة في جعل التعليم العالي والبحث العلمي قوة دافعة لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية.
فقد جاء في تلك التوصيات: ضرورة تطوير التعليم النظامي، وإشراك القطاع الخاص بفعالية في هذا الإطار، مع الاهتمام بالتعليم العالي وتوجيه طاقاته نحو البحث العلمي المتصل باحتياجات المجتمعات العربية، مع تأكيد الاستثمار في الموارد البشرية للأجيال في الوطن العربي.
كما أكدت التوصيات أن تكون خطة تطوير التعليم في أي دولة عربية عملية مستمرة ووفق رؤية استراتيجية متكاملة وراسخة بدلاً من ربطها بالوزراء، مع التشديد على أن مسؤولية التعليم لا تقع على عاتق الحكومات وحدها، وإنما يشترك فيها القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
وتناولت التوصيات أيضاً أهمية مواكبة المؤسسات التعليمية في مختلف المراحل متطلبات العصر الرقمي والتقني من أجل تفعيل أفضل سبل التواصل بين مكونات العملية التعليمية، والحرص على تغيير منظومة التعليم من أسلوب الحفظ والتلقين إلى الانتقال السريع نحو تنمية التفكير الإبداعي القائم على الاستنباط والتحليل والابتكار وتشجيع مبادرات بناء المدارس الذكية.
كما حث المشاركون وزارات التربية والتعليم في العالم العربي على الاعتماد على نظم تربوية لا مركزية في إدارة القطاعات التعليمية المختلفة من خلال تأكيد أهمية الإدارة التشاركية والإدارة الاستراتيجية تحقيقاً للجودة الشاملة في الأنظمة التعليمية، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بتعليم القيم التربوية التي تعمل على إعداد المواطن المتزن، وذلك من خلال تشجيع نظم التعليم التي تتولى مخاطبة الوجدان وتساعد في التعرف على قدرات ومهارات كل فرد بما يسهم في تعزيز مشاركته الإيجابية في بناء المجتمع.
وطالب المشاركون أيضاً بتحديث المناهج ووضع برامج علمية جامعية قادرة على خلق مواطن عربي قادر على المنافسة في الاقتصاد العالمي، فضلاً عن إقرار نظام «رخصة المعلم» وإخضاعه لعملية تقييم صارمة، وضرورة مضاعفة إنفاق الحكومات على البحث العلمي مع جعل الجامعات مراكز للبحث العلمي لا مراكز للتدريس فقط.
هذا ولم تهمل التوصيات دور الكفاءات العلمية والمراكز البحثية، بل حثت صناع القرار على الاستفادة من رؤيتها في اتخاذ القرارات التنموية وتفعيل المخرجات البحثية وربطها بخطط التنمية المستدامة، والعمل على اجتذاب الكفاءات الوطنية المهاجرة.
وخلص المشاركون إلى أهمية دعوة الطاقم التربوي والتعليمي إلى التكيف مع العصر الرقمي ومتطلباته، وتحفيز خبراء علوم التربية والاجتماع وتقنية المعلومات على دراسة الآثار السلبية لتقنيات المعلومات على القيم المجتمعية، وتضمين مفاهيم المواطنة الرقمية والمواطنة العالمية المشتركة في مناهج وبرامج إعداد المعلمين ومناهج التعليم العام والجامعي، والمطالبة كذلك بتطوير قوانين أخلاقية فيما يتعلق بمنتجات التقنية تصميماً وإنتاجاً وتسويقاً واستخداماً بما يتسق ومنظومة القيم المجتمعية للعالم العربي.

 *عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.