تعاتب إدارة ترامب حلفاءنا الأوروبيين باستمرار بسبب تعاونهم مع النظام الإيراني. وبالتالي، فإن التصعيد الأخير بين طهران وبروكسل يفترض أن يمثّل مفاجأة مرحباً بها، رغم أن لا علاقة له بسياسة الولايات المتحدة. وإذا كانت أوروبا لا تبدي أي مؤشر على التخلي عن الحوار مع إيران مثلما فعلت واشنطن، فإن التوتر يتصاعد. غير أن أوروبا لديها تأثير اقتصادي على إيران وتبدو مستعدة لاستخدامه كوسيلة لكبح السلوك الإيراني السيئ. وهذا شيء فشلت السياسة الأميركية في تحقيقه حتى الآن.
أوروبا تتعاون مع طهران بشأن الاتفاق النووي، وتساعد الإيرانيين على تجنب العقوبات الأميركية، غير أن العلاقة بين إيران وأوروبا ليست مستقرة – ويبدو أن زعماء إيران متوترون وفقدوا الثقة في النفس. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الاثنين: «ينبغي على الأوروبيين ألا يعتقدوا أن جمهورية إيران الإسلامية ستنتظر طويلاً»، مشتكياً من تأخر أوروبا في تطبيق آلية خاصة للتعامل التجاري بغير الدولار بهدف الحد من تأثير العقوبات الأميركية.
والواقع أن الاتحاد الأوروبي ما زال ملتزماً بالاتفاق النووي، ولكن القادة الأوروبيين غاضبون من أعمال طهران العدائية على التراب الأوروبي ومن المعاملة السيئة لمواطني الاتحاد الأوروبي من قبل النظام في طهران. وفي الأثناء، أخذ صبر السلطات الإيرانية ينفد بسبب عدم قدرة أوروبا على المساعدة على تحقيق الإغاثة الاقتصادية المتوقعة من الاتفاق النووي.
فمؤخراً، حاول ظريف أن يُظهر للجمهور الإيراني أنه بمنأى عن أوروبا، مذكّراً الأوروبيين في الوقت نفسه بالتزاماتهم تجاه الاتفاق النووي. فغرد على تويتر قائلاً: «قد يكون من المفيد أن يقرأ الشركاء الأوروبيون الوثيقة التي وقعوا عليها وتعهدوا بالدفاع عنها».
ولكن لا أحد انبهر بكلامه الحازم.
ذلك أنه بدون مشاركة أوروبا، ليس ثمة أي اتفاق نووي. بل إن المرء يستطيع أن يحاجج بأن من شأن تغير موقف القارة سحب أي حوافز لإيران حتى تظل ملتزمة بالقيود المفروضة على أنشطتها النووية. والحقيقة هي أن طهران تحتاج لأوروبا – ولمالها وتعاونها – من أجل الشرعية وطول العمر، وهو ما يجعل الانتهاكات الإيرانية المستمرة على التراب الأوروبي أكثر إزعاجا بكثير وغير مقبولة بالنسبة لبروكسل.
ففي فرنسا، أثّرت تداعيات هجوم فاشل في 2018 سلباً على العلاقات بين البلدين. ومؤخراً، عينت إيران متحدثاً سابقاً باسم وزارة الخارجية سفيراً لها إلى فرنسا – وهو مؤشر على أن إيران تأمل استخدام آلتها الدبلوماسية من أجل إعادة ضبط خطاب خرج عن السيطرة.
الهجوم المحبط يظل غامضاً. فإيران تقول إن المخطط المزعوم لتفجير تجمعٍ عام لمنظمة «مجاهدي خلق» المعارضة المنفية من قبل دبلوماسي إيراني في السفارة في النمسا يبدو غير قابل للتصديق، ومنسجماً مع ما يسمى عملية تضليل وتمويه من قبل قوة معادية انتحلت صفة إيران. ولكن بغض النظر عن الهجوم الذي كان مخططا له، فإن مجرد فكرة أن الطرفين المتعارضين في الحياة السياسة الإيرانية ربما يستخدمان قلب الغرب لخوض معاركهما يفترض أن يمثّل مصدر قلق كبير بالنسبة للعالم الحر.
ومؤخراً، أوقف مسؤولو أجهزة الأمن السويديون صحافياً عراقياً للاشتباه في تجسسه على انفصاليين عرب في ستوكهولم لصالح طهران. وكان زعيم للمجموعة نفسها قد اغتيل في هولندا في أواخر 2017 من قبل قاتلين مأجورين من قبل النظام الإيراني، وفق وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك.
وفي الأثناء، لا تفعل القوى الداخلية في إيران شيئاً من أجل تغيير التصورات السائدة حول «بلطجتها» عبر استمرارها في توقيف مواطنين أجانب بانتظام.
هذا وكانت كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي قد مددتا، خلال الآونة الأخيرة، عقوبات على إيران بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان تتراوح من توقيف إيران لصحافيين ونشطاء في الحقوق المدنية، والاستخدام المفرط لعقوبة الإعدام، والسجن غير القانوني، إلى استخدام التكنولوجيا لقمع المجتمع الإيراني.
وهناك اتفاق متزايد داخل الغرب بشأن الحاجة إلى منع سفر مسؤولي النظام الإيراني وأسرهم وتجميد حساباتهم البنكية، وهي خطوة سبق للحلفاء الأميركيين والأوروبيين مناقشتها ولكنهم لم يطبقوها أبداً. غير أنه إذا كانت إدارة ترامب جادة بشأن وضع حد لـ«الأنشطة الخبيثة» التي تقوم بها طهران، فينبغي أن تعمل مع حلفائنا من أجل تطوير مخطط واقعي للقيام بذلك. وتظل مقاربة متعددة الجنسيات الطريقة الأفضل لدفع إيران للالتزام بالسلوك الجيد، ولكن ذلك لن يحدث إلا إذا كان ثمة اتفاق وتنسيق بين أوروبا والولايات المتحدة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»