حسب المؤشرات الدولية، انخفض النمو الاقتصادي إلى 3,3 في المئة هذا العام، وهو أبطأ معدل منذ الركود الذي أعقب الأزمة المالية العالمية 2008، وقد اتفق وزراء المالية خلال مناقشاتهم مؤخراً في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن على أن الاقتصاد العالمي «فقد زخمه»، على أمل أن يرتفع النمو إلى 3,6 في المئة في العام القادم، مع اتجاه البنوك المركزية لتيسير السياسات النقدية، في ظل تداعيات مخاطر الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. ونبه خبراء دوليون إلى أنه حتى لو توصل الطرفان إلى اتفاق ينهي الحرب، قد تكون لهذا الاتفاق «انعكاسات على الاقتصاد العالمي»، حيث يسود القلق من أن تمنح الصين الشركات الأميركية معاملة تفضيلية بشكل يضر بمصالح بلدان أخرى. وتلتقي هذه التوقعات مع تقارير دولية تحمل الاقتصاديْن الأكبر، مسؤولية مخاطر الأزمة العالمية «المرتقبة» وتداعياتها على مختلف الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء، إضافة إلى توترات «جيوسياسية» مع اشتداد الخلاف السياسي مع إيران، وتزايد المخاطر في أسواق المال العالمية.
ولعل الأخطر من ذلك تفاقم مشكلة الديون التي بلغت أرقاماً قياسية، ما اضطر صندوق النقد إلى دق ناقوس الخطر من «اصطدام باخرة النمو الاقتصادي بجبل جليد الديون».
ووفق تقرير مؤسسة التمويل الدولية، بلغ الدين العالمي 243,2 تريليون دولار بنهاية 2018، بما يعادل 316 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، وهي نسبة مرتفعة وخطيرة جداً بالمعايير التاريخية، وتزيد خمسة أضعاف عن «القاعدة الذهبية» المقبولة وفق وثيقة «ماستريخت». ووسط الآفاق الكئيبة لتباطؤ النمو في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، دعت مديرة الصندوق «كريستين لاغارد» حكومات الدول الأعضاء إلى المساعدة في درء تزايد المخاطر، عن طريق تحديث أنظمة الضرائب، وخفض الدين العام، وتقليص هوة الثروة، من خلال الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية. وفي تحليل بعض المخاطر التي يجب معالجة تداعياتها، لابد من التركيز على عدة سلبيات، أهمها:
أولًا، ضخامة «الديون المتعثرة»، وقدرت بنحو 1,3 تريليون دولار، وهو مطابق لما كان عليه الحال قبل أزمة عام 2008، وتشكل القروض منخفضة الضمانات 80 في المئة من القروض الجديدة، مقارنة بـ 30 في المئة فقط منذ 10 سنوات، حتى إن معدلات استرداد الديون المتعثرة تراجعت من 82 في المئة إلى 69 في المئة، ما يهدد بحدوث أزمة ائتمانية كبيرة.
ثانياً، تفاقم الديون السيادية، أي المترتبة على الحكومات ذات السيادة، وغالباً ما تلجأ بعض الحكومات إليها لسداد الالتزامات المالية التي لا يكون تمويلها متوفراً، فتضطر إلى الاستدانة لدفع المستحقات المتراكمة عليها، وقد بلغت 42 تريليون دولار، وبما أنها (أي الحكومات)، ستقترض هذا العام نحو 7,78 تريليون دولار، 70 في المئة منها لإعادة تمويل دين طويل الأجل يحل استحقاقه، ما يرفع حجم الديون إلى نحو 50 تريليون دولار.
ثالثاً، تشهد أوروبا اليوم تدهوراً في نوعية القروض، من بينها تلك المضمونة بالممتلكات والعقارات، ورغم ارتفاع مستوى هذه القروض، إلا أن التصنيف الائتماني لها غير مشجع أبداً، ويحذر الخبراء من أنها ليست خالية من المخاطر.
لا شك في أن ارتفاع الديون، يضع المستثمرين والحكومات في خطر، ويثير ذعر تكرار الأزمة المالية السابقة، نظراً للتطورات الأخيرة، لكن يبدو أن التخلف عن الدفع أصبح أمراً شائعاً، ويتوقع المراقبون أن ينجح النظام المالي العالمي في إيجاد الحلول، ولو المؤقتة، كما حصل في أزمات سابقة، مع تدخل البنوك المركزية لمنع الانهيار، غير أن الخطورة تكمن في مدى قدرتها على السيطرة، وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار المالي العالمي.