منذ نهاية ديسمبر 2010 تصطبغ الأوضاع السياسية في بعض الدول العربية بمزيج من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتلم بها فوضى عارمة تتجلى في مظاهرات صاخبة واحتجاجات، وعنف من قبل جماهير شعبية غاضبة، وناقمة على تدني مستويات المعيشة والفقر والبطالة، وانهيار الاقتصاد، وتدني خدمات التعليم والصحة والإسكان، وتدهور في البنى التحتية والمرافق العامة، يقابلها عنف مضاد من قبل النظم الحاكمة، لإعادة الأمن والاستقرار والنظام.
وبدأت تلك الموجة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وانتقلت الآن كعدوى إلى السودان إلى جانب وجود عدد آخر منها مهدد بنفس المصير في مغارب العالم العربي ومشارقه.
والمؤلم في الأمر أن جماعات الإسلام السياسي هي التي تحرِّك الجماهير الغاضبة وتشجعها على الفوضى والعصيان والتمرد، وهذه الجماعات تزودها قطر وإيران بالمال والسلاح والدعم السياسي والمعنوي، في تحريك واضح لما يعرف في أدبيات جماعات التطرف والإرهاب وإثارة الفتن «بالفوضَى الخلاقة».
في الوقت الذي هو غير مفهوم فيه، كيف يمكن للفوضى أن تكون خلّاقة، فما هو معروف ومثبت أن الفوضى لا يمكن أن تورث سوى الدمار وخراب الديار، ولنا في ذلك أمثلة في ما يحدث حالياً في ليبيا وسوريا واليمن والصومال، والحبل على الجرار. ورغم محاولات النظم الحاكمة المعنية إعادة الهدوء والاستقرار السياسي والاجتماعي والمحافظة على عدم خراب الأوطان وانهيار الدول، إلا أن الحصيلة حتى الآن مؤسفة، وقد تسير الأمور إلى ما هو أسوأ بكثير مما حدث حتى الآن.
إن بواعث الفوضى التي تمر بها دول العالم العربي المعنية غالباً ما تفسر بأنها مرتبطة بعدم الاستقرار المزمن ذو الأوجه المتعددة التي تلم بها على صعيد الاقتصاد وصعوبة سبل العيش وانعدام الرفاه الاجتماعي.
بعض المحللين يرون أن ما يحدث في دول الخليج العربي، كالإمارات والسعودية والكويت من نهضة وتقدم اقتصادي ورفاهية اجتماعية يولِّد المزيد من المطالب لدى شعوب الدول العربية الأخرى تنصب حول بناء الدولة الوطنية الحديثة، التي تقوم على وجود المؤسسات الفاعلة والقيادات الوطنية الكفوءة التي تأخذ بيد شعوبها نحو التنمية الشاملة المستدامة.
ومن الواضح أنه في المحصلة النهائية يوجد رابط بين العولمة وما يحدث من فوضى في دول العالم العربي استغلتها أطراف رسمية وشعبية كوسيلة للصيد في المياه العكرة، كقطر وإيران وجماعات التطرف والإرهاب من «الإخوان» وغيرهم، فأخذت نتائج العولمة الحديثة التي يمر بها المجتمع البشري، وحاولت أن تحدث بواسطتها الفوضى الدائرة حالياً، فنتيجة لانتشار وسائل الاتصال الحديثة، خاصة شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة والقنوات التلفزيونية الفضائية، أصبحت الدول العربية ذات النظم السياسية والاجتماعية والثقافية المنغلقة على ذاتها فاقدة السيطرة على تواصل شعوبها مع العالم الخارجي ومعرفة ما يدور حولها من أحداث، الأمر الذي نتج عنه فقدانها لجوانب هامة من مواقعها ووظائفها التقليدية.
لذلك فإن من تداعيات العولمة الحديثة على الدول العربية، هو تفشي الفوضى، خاصة الإعلامية، ما نتج عنه قدر كبير من النفوذ الخارجي عليها كدول منغلقة تحاول الاحتفاظ بأوضاعها التقليدية القائمة على السيطرة السياسية والاقتصادية المطلقة، مع علمها بوجود مطالب شعبية بالتغيير.
*كاتب إماراتي