استمراراً لما كانت الإدارة الأميركية مصممة عليه منذ البداية، يعلن الرئيس الأميركي وبعد مع مرور عام على توقيعه قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، وضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة القوائم الإرهابية. نسير مع القارئ الكريم في السطور التالية لمعرفة حيثيات ذلك القرار وما سيؤول إليه، وهامش حركة الجانب الأميركي للوصول بهذا القرار إلى حيز الواقع.
لقد ظل موضوع استهداف الحرس الثوري والسعي لاعتباره منظمة إرهابية محط جدال وملفاً ينتقل من إدارة أميركية إلى أخرى، نظراً للعديد من الاعتبارات، إلى أن حزم ترامب أمره واتخذ قراره.
ويتساءل القارئ: ماذا تعني من الأساس القوائم الإرهابية؟ إنها في واقع الأمر تطبيق لقانون أميركي يتم تفعيله في حال توفرت الشروط التالية ضد أي مؤسسة أو منظمة، وهي أن يكون مقرها خارج الولايات المتحدة الأميركية، وأن تقوم أو تساهم بأنشطة إرهابية، وأن تؤثر تلك الأنشطة على مصالح وأمن الولايات المتحدة. فإن تحققت تلك الشروط تقوم الأجهزة المعنية في الولايات المتحدة بمنع إصدار تأشيرات لدخول أميركا للأفراد المنضوين تحت تلك المؤسسة، وكذلك فرض عقوبات مالية، يتبعها تجميد الأصول المالية، لينتهي المطاف بالملاحقة القانونية لكل من يتعامل مع تلك المؤسسة المدرجة ضمن قوائم الإرهاب.
ولعل القارئ يستشف أن النظام الإيراني كان قد استعد لهذا القرار منذ مدة، إذ كان يتوقعه، وذلك بالإعلان الفوري من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بأن الجيشَ الأميركيَّ وقواته في غرب آسيا منظمةً إرهابيةً!
ويتذكر القراء تماثل هذه الحالة مع ما قام به النظام الإيراني من إعلان عن فرضٍ لعقوبات على الشركات الأميركية، وذلك بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على النظام الإيراني! غير أن ذلك القرار لم يرتق ليصل إلى اتخاذ خطوات ملموسة.
ويستمر النظام الإيراني في ردة فعله تجاه ذلك القرار، فعلى المستوى السياسي، تؤكد تصريحات من المرشد والرئيس الإيرانيين رفضهما لذلك القرار، واعتبار أن الخطوة الأميركية لن تحقق نتائجها المطلوبة، بل والزعم بأنها سترتد على الولايات المتحدة نفسها كما يقول المرشد، في حين أن أعضاء البرلمان الإيراني ورئيسه ارتدوا زي الحرس الثوري في دلالة على موقفهم الرافض للقرار والواقف إلى جانب الحرس الثوري!
ولم يكن الفضاء الإلكتروني بطبيعة الحال بعيداً عن استغلال النظام الإيراني له، حيث تم إطلاق هاشتاغ «أنا حرس ثوري أيضاً» و«جميعنا حرس ثوري»، لإعطاء البعد الشعبي للحرس وإظهار التأييد له.
ويحيل لنا أحد القراء شواهدَ سابقة، وخاصة في ما يتعلق باعتبار «فيلق القدس» منظمةً إرهابيةً، وهو الذراع الخارجي للحرس الثوري، مشيراً إلى أن ذلك القرار الأميركي لم يتم تفعيله بصورة ملوسة على الأرض، حيث استمر فيلق القدس في أنشطته سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو أفغانستان، وحيث ظل قاسم سليماني يتنقل بكل سهولة حتى وصل إلى روسيا.
فهل ضمُّ الجسم الرئيسي (الحرس الثوري) إلى الفرع (فيلق القدس) على قائمة المنظمات الإرهابية، سيحدِث فرقاً؟
يبدو أن نهج الإدارة الأميركية الحالية منذ البداية يعطي مؤشراً على أن قرارها المتخذ أخيراً يتجاوز مسألة مطابقة الشروط للوصول إلى رؤية شمولية لهذه الإدارة في مواجهتها للنظام الإيراني وأدواته والسعي إلى ممارسة ضغوط جديدة عليه، وما يعزز ذلك تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تجاوز مجرد فرض عقوبات وملاحقات قانونية على الأفراد والمؤسسات، ليصل إلى اعتبارهم إرهابيين في حد ذاتهم.
وبالرجوع إلى قائمة الإجراءات الأميركية المتخذة بشأن قوائم الإرهاب ومقارنتها بالحالة الإيرانية ووضع الحرس الثوري ضمن الأسماء المدرجة على قوائم الإرهاب، وهامش كلا الطرفين، يمكن قراءة التالي:
في ما يتعلق بالتأشيرات، لا يتوقع أن تكون هذه الجزئية ذات فعالية واضحة، نظراً لعدم وجود زيارات عسكرية أو انتقال أفراد عسكريين بين الطرفين. أما في ما يتعلق بفرض عقوبات مالية، فلا شك أن التأثير الأميركي على النظام المالي العالمي يعطيه مساحة كبيرة لممارسة مزيد من الضغوط على الحرس الثوري، مما يؤثر على مشاريعه في العراق وسوريا والدول الإفريقية وكذلك جنوب أميركا.
كما أن السيطرة الاقتصادية الكبيرة للحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني ووجود شركات كثيرة وكبيرة تابعة له، يجعل مساحة التعاون الاقتصادي مع الشركات، سواء الأوروبية أو غيرها، المتوسطة والصغيرة، مساحة ضيقة للغاية، حيث يعتبر هذا القرار مكملاً للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وأداة اقتصادية جديدة للضغط على الشركات التي لا تريد الاستجابة للعقوبات الأميركية السابقة، باعتبار أن التعاون مع الحرس الثوري لا يأتي في نطاق فرض عقوبات بل يتجاوزه للوصول إلى التعاون مع منظمة إرهابية.