صدر في الآونة الأخيرة التقرير العالمي لقياس السعادة، وهو تقرير سنوي يتم إعداده ونشره منذ سبع سنوات، يقيس مدى سعادة الشعوب في العالم بناءً على معايير عدة؛ ويشمل نتائج استبيان مباشر لآراء المواطنين أنفسهم في مختلف دول العالم، لمعرفة تقييماتهم ومدى إحساسهم بالسعادة والرضى. ويربط التقرير بين السعادة ومؤشرات أخرى؛ مثل المستوى الصحي والتعليمي ومتوسط عمر الأفراد في بلدانهم.
وقد أظهرت التقارير السنوية الأخيرة أن هناك أربع دول في مقدمة أسعد شعوب العالم، هي الدنمارك وسويسرا والنرويج وفنلندا. وهنا نلاحظ أن ما يجمع هذه الدول الغربية هو أن معدل دخل الفرد فيها مرتفع، بالإضافة إلى الصحة والبيئة النظيفة والمعدل العالي للحريات. كما أن منسوب الفساد الحكومي فيها منخفض للغاية، وحياتها الاجتماعية مليئة بالحيوية والانفتاح.
ما يهمنا نحن كدول عربية في منطقة الخليج هو أن تلك الدول الغربية الأربع لديها أعلى معدل للضرائب على المواطنين، بينما نحن في الخليج ليس لدينا ضرائب تقريباً، بل أن الحكومات في دولنا تتكفل بكثير من احتياجات المواطنين، من تعليم وصحة وخدمات وغيرها، دون أن يساهم المواطن -في أحيان كثيرة- في تعزيز وتدعيم موارد الدولة.
وبالمقارنة، فإن نسبة السعادة في بعض الدول الخليجية ليست بالمستوى المطلوب، أخذاً في الاعتبار بأن كل المزايا التي تقدمها الدول الخليجية للمواطنين تقدمها بالمجان أو قريباً من ذلك، وهي امتيازات لا يكاد يحلم بها المواطنون في الدول الاسكندنافية السعيدة!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا هذه المفارقة؟ الإجابة عن هذا التساؤل تحتاج بحوثاً ودراساتٍ معمقةً قبل الشروع في أي رد. لكن بشكل عام فإن سعادة الإنسان تكمن في تحقيق طموحاته الذاتية وإنجازاته وشعوره بأنه إنسان منتج ومساهم حقيقي في مجتمعه.. وهذا ما كان عليه وضع الإنسان الخليجي قبل اكتشاف النفط. فالإنسان في هذه المنطقة كان إنساناً منتجاً وفعالاً وطموحاً، حتى أنه وصل في تجارته إلى الهند وأفريقيا وأندونيسيا شرقاً، بمعنى أنه استطاع خلق دخل جيد في بيئة صحراوية قاسية.
أما اليوم فقد أصبح المواطن في العديد من الدول الخليجية إنساناً اتكالياً غير منتج، يعتمد على الدولة في توفير الدخل له وعلى العمالة الأجنبية لمساعدته في عمله أو منزله.. بينما يساهم المواطن الأوروبي مساهمةً حقيقية في ازدهار بلده من خلال العمل والابتكار ودفع الضرائب والخدمة العسكرية.. فهو يدفع الضرائب والرسوم عن قناعة ورضى تام، لعلمه بأن أمواله في أيدٍ أمينة وسوف يتم صرفها في المكان الصحيح، لذلك فهو يحرص على مراقبة أداء حكومة بلاده.
لذا فالسؤال هو: أين نحن في الخليج من كل ذلك؟ وكيف يمكن الاستفادة من مثل هذه التقارير العالمية، علماً أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها اهتمام جاد بموضوع السعادة، وقد أنشأت لها وزارةً، واتخذت خطوات كبيرة أخرى على هذا الطريق. نتمنى أن تستفيد دول الخليج من التجربة الإماراتية، وأن تهتم بموضوع إنتاجية المواطن ومساهمته في بناء وطنه، بعطائه الحقيقي وبعيداً عن الهبات الحكومية.