في العقد الذي سبق انتخاب دونالد ترامب رئيساً، حاول سياسيون أميركيون من الحزبين إقرار مشروعات قوانين كبيرة وشاملة عن الهجرة تقنن أوضاع معظم المهاجرين غير الشرعيين في البلاد وتعزز عدد المهاجرين بصفة عامة. لكن مشروعات القوانين تلك فشلت بسبب المعارضة الشعبوية التي كانت من الحزبين في بداية الأمر ثم تزايد المعارضون لها من المحافظين. ومع مرور الوقت أوجدت معارضة المحافظين شكاً له أسباب وجيهة تجاه نخبة «الجمهوريين»، الذين تطلبت خططهم دوماً بشأن الهجرة تجاهلاً فيما يبدو لقاعدة مؤيديهم.
وعلى مدار سنوات سعت الصفوة من الحزبين إلى تحقيق إصلاحات شاملة، حاولوا استرضاء المتشككين باتباع صيغ مختلفة من الإنفاق على أمن الحدود. وهذا الإنفاق عزز بالفعل وتدريجياً الأمن على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وبل جعل التسلل ببساطة عبر الحدود أصعب. ومع حدوث تغيرات اقتصادية وسكانية في أميركا اللاتينية، انخفضت معدلات عبور الحدود- حين تولى ترامب السلطة- ثلثي ما كان عليه أيام الرئيس جورج بوش الابن. وهذا يدل على أن ترامب متغير تابع وليس متغيراً مستقلًا. فقد كان ترامب يمثل الانتصار السياسي لتوجه كان قد غير السياسة بالفعل وإن يكن تدريجياً وبتردد في النوايا. وكان هذا التوجه قد أغلق جزئياً الحدود سهلة الاختراق قبل 15 عاماً. ومقترح ترامب الأساسي، وهو جداره الشهير، كان من الممكن أن يمثل توسعاً لمشروع قائم بالفعل لأمن الحدود وليس إضافة جذرية.
وهذا الواقع، وخاصة في العام الأول من رئاسة ترامب، فتح الباب لنوع معين من اتفاق شامل بين أنصار التقييد الذين يشعرون بثقة أكبر قليلاً في موقفهم وبين المدافعين عن الهجرة الذين يشعرون بأنهم مطاردون من رد الفعل الشعبوي. وهناك حتى بعض الأدلة التي تفيد أن البيت الأبيض ربما يكون يتحسس طريقه في هذا الاتجاه نحو إصلاحات تحقق الاستقرار وليس المزيد من التغير الجذري، مما يجعل النظام برمته يبتعد عن المهاجرين منخفضي المهارات ويقترب من استقطاب عمال، ويوفق بين أنصار التقييد والمتحمسين للتوسع في قبول المهاجرين، والحفاظ على معدل الهجرة الإجمالي كما هو. لكن هذه الفرصة ضاعت بسبب ثاني العناصر المثيرة للسخرية في الهجرة، فقد ورث ترامب وضعاً حدودياً أفضل نوعاً ما عما صوره في خطابه عن الأزمة، لكنه يواجه الآن أزمة فعليه تتمثل في موجة أسر من أميركا الوسطى تطالب بحق اللجوء، ما أعاد معدلات عبور الحدود الشهرية إلى أعلى مستوياتها في عقد من الزمن، وأنهك النظام في معالجة الوافدين الجدد.
وهناك شعور بأن هذه الأزمة تبرئ موقف المتشددين من الهجرة الذين حذروا في فترة متأخرة من عصر أوباما من أن منح عفو ضمني للمهاجرين الأطفال خلقت حوافز معينة للأسر والأطفال لأن يأتوا إلى الولايات المتحدة. لكن هؤلاء المتشددين أنفسهم انتهى بهم الحال إلى انتخاب رئيس يمثل الملمح الأساسي في سياسته للهجرة إقامة المزيد من الجدران لمنع عابري الحدود، وهي السياسة التي ثبت إلى حد كبير أنها غير فاعلة في التعامل مع أزمة هجرة خلقها أشخاص سلموا أنفسهم لضباط خفر الحدود وطلبوا حق اللجوء.
ولا يستطيع الرئيس الاستجابة بطريقة أكثر كفاءة فيما يبدو لأن أي حل في السياسة قد يتطلب مفاوضات على مرحلتين. الأولى مع الكونجرس لتغيير قوانين اللجوء. والثانية مع الحكومة المكسيكية للحصول على المزيد من المساعدة في منع الهجرة من جانبها من الحدود. وكلما طال أمد أزمة الحدود الحالية لربما كان أهم ما نتعلمه من البيت الأبيض الحالي أنه حتى دونالد ترامب لا يمكنه حقاً وقف الهجرة غير المشروعة مادام أن هناك عدداً كبيراً من الناس يفكرون في اصطحاب أطفالهم ودخول الولايات المتحدة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/04/09/opinion/trump-kirstjen-nielsen-border-security-.html