إسرائيل، التي ستنتخب حكومة جديدة الأسبوع المقبل، نادرا ما تمتعت بالنجاح الاقتصادي والدبلوماسي الذي تعرفه اليوم. فإدارة ترامب ما زالت تفوق كل الحكومات الأميركية السابقة في دعمها لإسرائيل، وأحدث صور ذلك الدعم اعترافها الأسبوع الماضي بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، التي تم الاستيلاء عليها خلال حرب يونيو 1967. كما أن علاقات إسرائيل مزدهرة حالياً مع الصين والهند وروسيا – وهي ثلاثة بلدان كبيرة كانت معروفة في الماضي بانتقادها الشديد للطريقة التي تعامل بها إسرائيل العرب الفلسطينيين – بل إن حتى علاقاتها مع بعض الدول العربية تحسنت.
ولكن الأمور تبدو أقل وردية عندما نلقي نظرة أقرب على الأمور – وليس فقط لأن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ينسب لنفسه الفضل في المكانة المتميزة التي باتت تتبوؤها بلاده، قد توجه له تهم الفساد. ذلك أن قاعدة الدعم التقليدية لإسرائيل في الولايات المتحدة أخذت تبدي مؤشرات ضعف في وقت يسعى فيه يسار أقوى وأكثر جهرا بمواقفه لإعادة صياغة سياسة البلاد الخارجية. وعلاوة على ذلك، فإن أقليات كثيرة – لاتينيين، أميركيين آسيويين، أميركيين عرب – أخذت تجعل آراءها مسموعة.
وفي هذا الإطار، ذهب مقال مفصل لناثان ثرال في مجلة «نيويورك تايمز ماغازين» الأسبوع الماضي إلى أن التوترات والخلافات حول إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي لم يسبق أن كانت بالحدة التي هي عليها اليوم، وذلك لأن الحزب «يُجرُّ حالياً نحو قاعدة أكثر تقدمية ومستقبل ستصبح فيه أغلبية الحزب على الأرجح مؤلفة من الأشخاص الملونين».
هذا التحول يحدث على الصعيد العالمي، وليس في الولايات المتحدة فقط، وتحركه أيضا دينامياتٌ عرقية متغيرة. ومما يذكر في هذا السياق أن الكاتب الإنجليزي جورج أورويل كان أشار في 1945، أي قبل ثلاث سنوات على خروج دولة إسرائيل إلى الوجود، إلى أن «مشكلة فلسطين هي جزئيا مشكلة لون» – مشكلة سينحاز فيها قومي هندي، على سبيل المثال، إلى العرب على الأرجح».
والأكيد أن القوميين الهنود دعموا العرب الفلسطينيين ضد المستوطنين الصهاينة بشكل واضح لا لبس فيه. وقد رُسم «خط اللون» بشكل واضح في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر 1947 عندما ناقش أعضاؤها الـ56 تقسيم فلسطين وخلق دولة يهودية. والواقع أن حتى الاتحاد السوفييتي دعم الصهاينة، بينما صوّتت دولتا الهند وباكستان الجديدتان، إلى جانب كل البلدان الآسيوية تقريبا، ضدهم. فمع تسارع عملية تصفية الاستعمار، سارت معظم البلدان الآسيوية والإفريقية على خطى الهند في رفض إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية الجديدة. وكان الكثير من الأشخاص الملونين، الذين لم يطلهم الشعور بالذنب الأوروبي بسبب الهولوكوست، والذي أجج في الغرب الدعمَ لدولة يهودية، كانوا ينظرون إلى إسرائيل على أنها مشروع كولونيالي أبيض آخر يسلب السكان العرب فلسطين.
بعض هؤلاء المناوئين المفترضين للكولونيالية وللعنصرية كانت تعميهم كراهيتهم لإسرائيل. وفي المقابل، وقفت حتى بعض الشخصيات المعروفة بانتصارها للعالم الثالث في الغرب مثل جون بول سارتر إلى جانب إسرائيل.
غير أن النظرة الآسيوية والإفريقية القديمة لإسرائيل باعتبارها تجسيداً لكولونيالية عنصرية امتد إلى الغرب أيضا. وأعمال إسرائيل – توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والعمليات العسكرية العنيفة جداً في غزة، والتمييز ضد الأقلية العربية المهمة في البلاد – لم تفعل شيئاً من أجل تحسين هذه الصورة.
نتنياهو، الذي يدعي أن «إسرائيل هي الدولة- الأمة للشعب اليهودي – وله وحده»، دخل تحالفا مع «القوة اليهودية»، وهو حزب معادٍ للأجانب يعتقد أن العرب – الذين يشكّلون نحو 20 في المئة من سكان إسرائيل – ينبغي أن يُحرموا من حقوقهم الديمقراطية ويشجَّعوا على مغادرة البلاد. كما نسج نتنياهو علاقات وثيقة مع قوميين عرقيين أوروبيين مثل فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، رغم أن هذا الأخير يروّج بشكل صريح لنظرية المؤامرة المناوئة للسامية ضد الملياردير الأميركي جورج سوروس.
والحال أن القمع الشديد للعرب في الداخل والتحالفات مع العنصريين البيض في الخارج يمثلان استثمارين خطيرين في مستقبل إسرائيل. ذلك أن الحدث المركزي لزمنا يظل هو إسقاط الكولونيالية الغربية والنزعة المتنامية لتأكيد القوة السياسية والفكرية لشعوب لطالما استُغلت وهُمشت وأُسكتت من قبل أنظمة عنصرية.
الكثيرون في الغرب، وخاصة من المواطنين البيض الأكبر سنا، يدعمون الهوية التي اختارتها إسرائيل لنفسها كبلد يعوض بثروته وقوته ضحايا الهولوكوست اليهود. ولكن عددا متزايدا من الناس في الغرب يرفضون منح إسرائيل هذا الوضع المعنوي.
والحاصل أنه من غير المرجح أن تتمتع إسرائيل بمكانتها الحالية طويلاً بعد انحسار موجة اليمين المتطرف التي ركبها نتنياهو بمهارة. ذلك أن جيلاً جديداً يدخل الحياة السياسية والثقافية عبر العالم سيحكم على إسرائيل، على الأرجح، انطلاقاً من أعمالها اليومية، وليس على أساس شيء آخر. وسيُنظر إلى دولة مستوطنين كولونيالية وقومية-إثنية ليس فقط باعتبارها على الجانب الخطأ من التاريخ، ولكن أيضا من خط اللون المهم بشكل متزايد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»