شهد الأسبوع الماضي بدء مشروع فني ثقافي عالمي، يدفع الإمارات إلى الفخر بأنها الأولى على مستوى المنطقة التي تنفذ «معرض الطريق الفني»، وهو عمل ترويجي لجذب الزوار إلى متحف اللوفر بأبوظبي، وكل المنحوتات والتماثيل غير الأصلية التي تم عرضها على طريق دبي أبوظبي السريع، كانت ضمن هذا المشروع، الذي يحمل دلالات متعددة. فإلى جانب الترويج لمحتويات لوفر أبوظبي، قدم معرض الطريق لفتة جمالية لتنمية الذائقة ولفت أنظار المسافرين إلى معروضات ذات قيمة فنية عالمية، ولا شك أن اختيار نماذجها تم بدقة تراعي انتقاء الأعمال الأكثر شهرة واتصالاً بالتاريخ الإنساني، وذلك لكي تمثل المعروضات عينات من مخزون المتحف، وفي الوقت ذاته تحفز الجمهور على أن يضع ضمن أجندته زيارة المتحف، لمشاهدة التماثيل والمنحوتات الأصلية، التي يعتبر عرضها في أبوظبي حدثاً استثنائياً.
ورغم مسارعة العديد من العقلاء على وسائل التواصل الاجتماعي إلى التوضيح واستيعاب معنى ودلالة عرض منحوتات على الطريق العام، فإن تلاميذ التطرف وعملاء قطر وتركيا يخشون أن تظهر الحقائق كما هي، ويصرون على وجهة نظرهم الفاسدة والكاذبة. فعندما يقوم متحف عالمي مثل «اللوفر» أبوظبي بعرض نماذج مطابقة لبعض مقتنياته من المنحوتات الشهيرة، يقوم تلاميذ «داعش» الأوفياء لنهجها العنيف بالادعاء أن تلك المنحوتات تعرض في الأماكن العامة لأغراض دينية! وبالتأكيد لا يعرف المنتقدون عن جهل أن هذا الحدث يدفع عشاق الفن العالمي إلى حزم حقائبهم والسفر إلى الإمارات خصيصاً، بهدف الاستمتاع بمعارضها وأنشطتها، ذات الأفق الإنساني المعبر عن الثقافات وجمالياتها المتعددة.
يبدو أن المتطرفين يحتاجون إلى صناعة أكاذيب جديدة لإغراق المجتمعات في الوهم، وأيضاً لكي يقدم البعض أنفسهم وكأنهم حماة العقيدة. ولن ينتعش التشدد ويلقى أنصاره الرواج والانتشار إلا في البيئة غير المتسامحة، لذلك يركزون على إثارة مخاوف الناس على عقيدتهم ودينهم، بينما الهوية الإسلامية في الإمارات محفوظة ولا تحتاج إلى أكاذيبهم، وهي جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية. وتعودنا الاهتمام بالفنون والرسم والموسيقى والنحت، وذلك لا يتناقض مع هويتنا، لأن احتفاء الإمارات بالثقافة العالمية يندرج ضمن نهج الانفتاح والتعايش والجذب السياحي العالمي. وليس من المنطق أن يتم تصوير معرض فني أو مقتنيات متحف كما لو أنها تشكل تهديداً عقائدياً، لأن الفن وجمالياته عابر للثقافات، مثل الموسيقى والرسم والنحت والرقص.. فهذه جميعها فنون إنسانية يتم تلقيها من منظور ثقافي، بعيداً عن أي إيحاءات خاصة تتصل بجذورها المحلية الضيقة.
ومن يجد أن ذائقته الفنية لا تسعفه لاستيعاب جماليات النحت العالمي القديم والحديث، عليه أن يتوقف عن اختراع الأكاذيب والإشاعات التي تستهدف استغلال العاطفة الدينية لدى الجمهور. وما حدث على طريق دبي أبوظبي، هو أن معرض الطريق الفني الذي ينظمه متحف اللوفر في أبوظبي، قام بعرض مجسمات مطابقة لتماثيل ومنحوتات سيتم عرض نسخها الأصلية في المتحف، وسوف يستمر معرض الطريق الترويجي لمدة شهر، لكن آلة الأكاذيب التي تحرك المتطرفين والخونة استغلت الحدث الفني، وبدأت تنشر إشاعات وخيالات مريضة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحرصت بشدة على الإيحاء بأن العرض الترويجي لأحد التماثيل يتجاوز جماليات النحت إلى جوانب دينية عقائدية! وهذا بالطبع غير صحيح، بدليل أن الحملة المتطرفة لم تتطرق إلى بقية التماثيل والنماذج الفنية المعروضة على الطريق نفسه.
وعلى هامش المعرض الترويجي لمتحف اللوفر أبوظبي، ليس غريباً أن يكون أول من تصدروا الحملة المتطرفة التي تعرضت لها الإمارات، هم أولئك الخونة الذين تحركهم قطر وتركيا، إذ قام بعض أتباع التنظيم الإخواني، بالترويج لتلك الكذبة الرخيصة، وهم الذين فضلوا البقاء تحت خانة الهاربين من العدالة. ويعرف الجمهور المثقف أن حدود تفكير أولئك المتطرفين لا تتجاوز ما فعله «داعش» في العراق وسوريا وما قام به من تدمير للتماثيل واللوحات والآثار التي لا تقدر بثمن، وقبلهم كانت «طالبان» في أفغانستان قد ارتكبت جريمة مماثلة بتدميرها أقدم التماثيل والمنحوتات التي حفرها الإنسان في صخور الجبال.
وبذلك يصر الخونة على كشف أقنعتهم والإفصاح عن انتمائهم لجماعات التطرف المعادية للحضارة والثقافة، بينما تتمسك الإمارات بنهج الاعتدال والتسامح والاهتمام بالأعمال الفنية ونشر ثقافة التذوق الفني للإبداعات الإنسانية.