هاورد شولتز، الملياردير صاحب سلسلة المقاهي، الذي تخيل أن باستطاعته استقطاب دعم واسع ك«وسطي»، تبين أن لديه معدل تأييد شعبي يبلغ 4 في المئة فقط، مقابل 40 في المئة هي معدل عدم الرضا الشعبي عنه. و«رالف نورثام»، وهو «ديمقراطي» فاز بمنصب حاكم ولاية فرجينيا بأغلبية كبيرة، يواجه اليوم عاصفة من التنديد من حزبه بسبب صور عنصرية على كتابه السنوي عندما كان طالبا في كلية الطب.
أما دونالد ترامب، الذي خاض حملة انتخابية وعد فيها بتوسيع الرعاية الصحية وزيادة الضرائب على الأغنياء، فقد بدأ يتخلى عن أنصاره من الطبقة العاملة لحظة توليه منصبه، حين دفع بتخفيضات ضريبية كبيرة لصالح الأغنياء وحاول سحب التغطية الصحية من ملايين الأميركيين. هذه قصص مترابطة في الواقع، كونها مرتبطة جميعاً بالغيابين الأكبر في الحياة السياسية الأميركية.
الأول هو غياب ناخبين ليبراليين اجتماعياً ومحافظين اقتصادياً. فهؤلاء هم الأشخاص الذين اعتقد «شولتز» أن بوسعه استمالتهم، ولكنهم بشكل عام غير موجودين إذ لا يشكلون سوى قرابة 4 في المئة من الكتلة الناخبة. والثاني هو غياب سياسيين ليبراليين اقتصاديا ومحافظين اجتماعيا – ولنكن صرحاء ولنسمهم «الشعبويين العنصريين». وهناك ناخبون كثيرون يرغبون في هذا الخليط، وترامب تظاهر بأنه رجلهم، ولكنه لم يكن رجلهم، مثلما لم يكن أي أحد آخر. وشخصياً، أعتقدُ أن فهم هذه الأرباع الخالية هو السبيل لفهم المشهد السياسي الأميركي.
فسياسة الحزب «الجمهوري» المعاصر تتعلق أساساً بخفض ضرائب الأغنياء وامتيازات الفقراء والطبقة المتوسطة. وقد اتضح أن ترامب، ورغم المواقف التي أبان عنها في حملته الانتخابية، لا يختلف مع هذه السياسة. وهذا ما يفسر فشلَ نظامنا السياسي في خدمة الناخبين العنصريين/المحافظين اجتماعيا الذين يريدون أيضا فرض ضرائب على الأغنياء والحفاظ على الضمان الاجتماعي.
ولكن لماذا ثمة القليل جداً من الناخبين الذين لديهم موقف معاكس يزاوج بين الليبرالية الاجتماعية/العنصرية والمحافظة الاقتصادية؟ الجواب، حسبما أرى، يكمن في إلى أي مدى انحاز الحزب «الجمهوري» يميناً.
واستطلاعات الرأي واضحة في هذا الصدد. فإذا كنت تعرِّف «الوسط» باعتباره موقفاً بين موقفي الحزبين الرئيسيين، فإن الجمهور يقف في معظمه على يسار الوسط في ما يتعلق بالمواضيع الاقتصادية، بل على يسار «الديمقراطيين». ولئن كان خفض ضرائب الأغنياء هو السياسة المميزة للحزب «الجمهوري»، فإن ثلثي الناخبين يرون أن الضرائب على الأغنياء منخفضة أكثر مما ينبغي، بينما يعتقد 7 في المئة فقط أنها أعلى مما ينبغي. وفضلا عن ذلك، فإن الناخبين يؤيدون مقترح إليزابيث وارن بخصوص فرض ضريبة على الثروات الكبيرة بأغلبية 3 لـ1. كما أن أقلية قليلة جداً هي التي ترغب في رؤية تقليص لبرنامج «ميديكإيد»، رغم أن مثل هذا التقليص كان مركزياً بالنسبة لكل مقترح «جمهوري» للرعاية الصحية في السنوات الأخيرة.
ولكن لماذا أبدى «الجمهوريون» موقفاً بعيداً كل هذا البعد عما يفضّله الناخبون؟ لأنهم استطاعوا ذلك. فبينما أصبح «الديمقراطيون» حزبَ الحقوق المدنية، استطاع «الجمهوريون» استمالة أعضاء الطبقة العاملة البيض عبر الاستجابة لنزعتهم غير الليبرالية الاجتماعية والعرقية، حتى بالتوازي مع اتباع سياسات تضر بمصالح العمال العاديين.
والنتيجة هي أن كون المرء محافظاً اقتصادياً في أميركا يعني الدفاع عن سياسات لا تحظى بإعجاب سوى نخبة صغيرة. ولكن بشكل عام لا أحد يريد هذه السياسات بمفردها. فهي لا «تباع» إلا إذا كانت ضمن حزمة واحدة مع مشاعر العداء العرقية.
ولكن، ما الذي تعنيه الأرباع الخالية للمشهد السياسي الأميركي بالنسبة للمستقبل؟ أولا، إن شولتز بالطبع مجنون – شأنه في ذلك شأن أولئك الذين يحلمون بحزب جمهوري أُدخلت عليه إصلاحات ويظل محافظا ولكنه يتخلى عن ارتباطه بالعنصريين. غير أنه لا يوجد أحد تقريبا يرغب في خليط المواقف هذا.
ثانيا، المخاوف من أن «الديمقراطيين» أخذوا يجازفون بحظوظهم الانتخابية عبر الميل يساراً أكثر مما ينبغي، من خلال اقتراح ضرائب أعلى على الأغنياء وتوسيع «ميديكير» مثلاً، هي مخاوف مبالغ فيها لحد كبير. ذلك أن الناخبين يريدون خطوة اقتصادية إلى اليسار – وكل ما هناك أن بعضهم يكره الدعم الديمقراطي للحقوق المدنية، التي لا يستطيع الحزب التخلي عنها من دون أن يفقد روحه.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/02/04/opinion/ralph-northam-howard-schultz.html