تتوالى الأنباء الواردة من أروقة المحاكم البريطانية حول قضايا الفساد المالي الضالع فيها رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم بن جبر، والدور المحوري الذي لعبه في إنقاذ البنك البريطاني المعني من منطلقات الاستفادة الشخصية والثراء غير المشروع من أموال الشعب القطري، وقد يستعجب الكثيرون في العالم العربي من صدور مثل هذا السلوك من شخص له هذا الموقع الرسمي الهام، لكن المتتبع لمسيرته وخلفيته التي ينطلق منها يعلم بأنه من أحد فروع الأسرة الحاكمة في قطر البعيد عن صلب السياسة، وبأن أفراد هذا الفرع شغوفون منذ أمد بعالم المال والأعمال ومراكمة الثروات الشخصية.
وهذا الفرع لم يكن يوماً ما متعاطياً للسياسة في قطر، ولم يدخل أفراده في صراعات السلطة أو شؤونها فيها، أو لنقل بأنهم لم تتح لهم الفرصة أبداً للعب أية أدوار سياسية، وبقوا بعيدين عن مراكز السلطة إلى أن انقلب حمد بن خليفة على والده وقام بتقريب حمد بن جاسم بن جبر منه على حساب إخوانه والمقربين الآخرين منه جداً من أفراد الأسرة الآخرين.
لقد أتاحت الظروف ومهارة التسلق ومعرفة من أين تؤكل الكتف لحمد بن جاسم بن جبر لكي يلعب في الساحتين السياسية والاقتصادية ويعبث بالمال العام القطري، وهو مهيئ عملياً وذهنياً لذلك، فهو في الأصل رجل أعمال يعمل في خارج قطر، وعندما تم تقريبه من السلطة والثروة تحول إلى ذلك «السياسي - رجل الأعمال» الذي يهندس مشروع «الدولة الرأسمالية» لقطر.
وبالفعل وبقدرة قادر، وبدفع من قبل حمد بن خليفة أصبح ملفه الشخصي مليء بالمناصب الرسمية التي تدخله من بوابة المال العام القطري إلى عالم التكسب الشخصي، فهو وزير للخارجية منذ عام 1992 ورئيس للوزراء بدءاً بعام 2007، وهو عضو في مجلس الأسرة الحاكمة، وفي المجلس الأعلى لاستثمار احتياطيات الدولة، بالإضافة إلى كونه نائب الرئيس والرئيس التنفيذي لهيئة قطر للاستثمار، ورئيساً لديار القطرية، التي هي ذراع الدولة للاستثمار العقاري، ورئيس لشركة قطر القابضة التي لديها استثمارات واسعة في بريطانيا بشكل خاص، بالإضافة إلى ما تمارسه من نشاطات استثمارية محل استفهام في العديد من قارات العالم.
ويبدو بأن العديد من الدوائر الرسمية والإعلامية البريطانية ملمة بالنشاطات الفاسدة والمريبة لحمد بن جاسم بن جبر، فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» بنشر مقال بعنوان: «رجل في الأنباء» بتاريخ 21 يونيو 2008، وقامت صحيفة «الجارديان» البريطانية بنشر مقال في 27 يونيو 2012 تلقي فيه الضوء على ممارساته، هذا بالإضافة إلى صحف ومجلات أخرى من صحف التابلويد التي تهتم بالفضائح، بالإشارة إلى ممارساته المريبة.
والمهم في الأمر هو أن حمد بن جاسم بن جبر قام بتكوين شبكة داخلية له متغلغلة في دوائر المال العام والاستثمارات الرسمية للدولة القطرية، فأبناؤه يحتلون أيضاً مراكز عليا في هذا المجال قوت من سلطته ونفوذه في البنى الرأسمالية للدولة، فعلى سبيل المثال ابنه الأكبر كان رئيساً لكل من بنك قطر الإسلامي وشركة قطر للاستثمار وقس على ذلك الكثير.
وعلى أية حال، هذه المواقع الرسمية المهمة والفساد المالي الذي صاحبها، كانت تغطيها نبرة كاذبة من الوقار المصطنع التي فيها نبرة لإشعار الآخرين بالقدرة والمعرفة، ونمط من الرغبة في تعليم الآخرين، خاصة في الاجتماعات الرسمية لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، بما يجب عليهم أن يقولوه ويفعلوه.
في حين أن جميع السامعين كانوا يعلمون بأنه لغو لا فائدة ترجى من ورائه، فحجم المتحدث مثلما هو حجم الدولة التي يمثلها لا يؤهلها أو يرقى بها لتعليم الآخرين أي شيء فيه فائدة. وها هي الأيام تكشف لنا تباعاً من هو هذا الشخص الذي حاول أن يعيث فساداً في العالم العربي وفي خارج حدوده.
*كاتب إماراتي
  •