رحب‏ الخاص والعام وبخاصة القادة في العالم الغربي في تدويناتهم وفي تصريحاتهم بإعلان «قوات سوريا الديمقراطية» هزيمة تنظيم داعش في سوريا، والسيطرة على آخر معقل للتنظيم على ضفاف نهر الفرات. كما أن هذا النصر على «داعش» جعل وزارة الدفاع الأميركية تتحدث عن «لحظة تاريخية» في المعركة التي خاضتها منذ عدة سنوات ضد هذا التنظيم الإرهابي.
ولا جرم أنه من منظور عسكري، فبإمكان الولايات المتحدة الأميركية أن تتحدث عن نجاح استراتيجيتها بالعمل المشترك من خلال قوات تحارب بالوكالة، إذ تحملت فصائل كردية في سوريا وقوات الأمن في العراق عبء القتال والخسائر البشرية وهذا ما يمكن القوات العسكرية الأميركية تنجو من فقدان قواتها في المعارك. لكن المتتبعين يرون أنه لا يزال لدى تنظيم «داعش» آلاف المقاتلين المتدربين في عدة دول في وقت تطرح تساؤلات إن كان من الممكن تحويل الهزيمة التي تعرضت لها الجماعة المتطرفة على الأرض إلى هزيمة دائمة وإن كان قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب معظم قوات بلاده من سوريا سابقاً لأوانه ويحمل خطر تخريب لعبة النهاية.
ولا يجب أن ننسى أن هذا الخبر عن انتهاء داعش و«الفرحة العالمية» تعني مما تعنيه نجاح التعبئة الدولية والسياسات العالمية التي صيغت لمواجهة هدف واحد، وهو من القضايا النادرة التي عليها شبه إجماع دولي. وانطلاقاً من ذلك فإن كل ما يصبو إلى اجتثاث «داعش» هي قضية عالمية ملحة بما في ذلك تقييد حركتهم اللامتناهية في الإنترنت.
ولكن موازاة مع هذه الفرحة المبالغة فيها، لنكن واقعيين عند رصد واقع التنظيم «الداعشي» والتنظيم الإرهابي بصفة عامة، لأن هذا النوع من العنف هو عبارة عن موجات متكررة ودائمة باسم الدين وباسم الإسلام، وهو عبارة عن مغناطيس قوي يجذب أبناءنا وشبابنا ويودي بهم وبإخوانهم إلى التهلكة، بل ويجذب حتى أبناء الجيل الثالث من الجالية المسلمة المقيمة في الغرب... فلا يمكن الاستخفاف بهذه الداهية العظمى ولا الإعذار، فنحن معنيون قبل غيرنا من الأمم ونحن مهددون في ديننا وأوطاننا، وهذا يشمل «داعش»، و«بوكو حرام» في مالي و«القاعدة» في اليمن، وغيرها من التنظيمات المتطرفة في سيناء، ومنطقة جنوب الصحراء الأفريقية. وهي كلها مسميات لإرهاب واحد حيث يضع مريدوها للانتهازية عنوانا من الدين، ويقدمون للظلم وسفك الدماء البريئة تبريرات من الآيات.
طيارات التحالف الدولية بإمكانها أن تزيل قرى وأمصارا من الخريطة الجغرافية العالمية ولكن الحرب الحقيقية التي يجب أن تكون هي حرب القلم واللسان. فمحاربة «داعش» في السنوات والعقود المقبلة تبدأ من أوطاننا ومؤسساتنا التربوية، لكي نزيل الداء من أصوله لا أن نقطع جزءا من جناح الفيروس.... التحالف الدولي قضى على «داعش» وحقق هدفه الصغير، وتخلص لا محالة من جماعة واحدة دموية وسفاكة... كما يمكن ترتيب الخرائط السياسية من جديد، ويمكن إعادة النظر في المنظومة العربية ويمكن تخفيف الجمرة المذهبية، ولكن ستطرح أسئلة فيما بعد، عندما يتكون تنظيم إرهابي في بعض مناطق أفريقيا أو الوطن العربي وعندما سيجرؤ إرهابيوه على قطع رؤوس غربية ومسلمة: الحل يبدأ من مؤسساتنا التربوية ومن مجتمعاتنا البشرية، ومن كتب التراث التي يجب إعادة صياغتها وما يتماشى مع ديننا السمح الحنيف الذي يجرم التبسيطية المخلة، ويدعو إلى العقل والتسامح وبناء الأسرة الإنسانية الواحدة...
فالإرهابيون ينطلقون من فكرة واحدة وهي أن الدين غير مطبق وينبغي الاستيلاء على الدولة لتطبيق الشريعة بواسطتها وبكل الطرق، ويجب الجهاد في ذلك بكل الوسائل في أوطاننا كما في الغرب كما أن الأمر عند الملوثة عقولهم يكون إما حقا أو باطلا، والموقف إما هدى أو ضلالا، وهنا تكون الطامة الكبرى والمصيبة الآزفة التي تأتي على الأخضر واليابس.
فهناك إذن اعوجاج في فهم الدين، وضلال مبين في فهم مقاصد الشريعة السمحة، وخلط بين السياسة والدين، فتعريض المصالح العليا للبلد (كالسياحة أو محاولة تأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية) هو مطية للاستيلاء في نظرهم على الدولة بكل الطرق الممكنة، كما أن زرع بذور وفتاوى التكفير ما هو إلا الوسيلة المثلى لصناعة المغناطيس لجذب شباب المسلمين، وهذا خطر وأيم الله على الدين وعلى مستقبل الدول وعلى مصير العقول المنشئة لمثل هاته التنظيمات الإرهابية.