استضفنا عضوة مجلس الشيوخ الأيرلندي «فرانسيس بلاك» خلال الأسبوع الماضي في واشنطن. و«بلاك» هي رئيسة مجموعة عمل «فلسطين» في مجلس الشيوخ الأيرلندي «سيناد» وراعية رئيسية لمشروع قانون يهدف إلى حظر استيراد المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أيرلندا. وقد تم تمرير مشروع القانون هذا المعروف بقانون «ضبط النشاط الاقتصادي مع الأراضي المحتلة»، في مجلس الشيوخ الأيرلندي، واجتاز بنجاح جولتي تصويت في «الغرفة السفلى» «ديل» من البرلمان الأيرلندي. وفي الجولة الأولى من التصويت، اجتاز بهامش كبير 78 مقابل 45 صوتاً. فقد أيّدت معظم الأحزاب الكبرى في أيرلندا، باستثناء حزب الأقلية الحاكم، مشروع القانون الذي تقدمت به «بلاك»، وهناك تأييد قوي للقانون ولحقوق الفلسطينيين بين الشعب الأيرلندي.
وقد تمت صياغة مشروع قانون «ضبط النشاط الاقتصادي مع الأراضي المحتلة» بعناية، ولم يتجاوز هدفه المنشود. وذلك بتقييد نطاقه في حدود منتجات المستوطنات، لذا، فهو ليس محاولة لفرض المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات على إسرائيل.
وعندما تم طرح التشريع للتصويت للمرة الأولى في مجلس الشيوخ الأيرلندي، أدلت السيناتور «بلاك» بتصريحات مؤثرة تأييداً للقانون وتضمنت ما يلي: «على رغم من إدانة هذه المستوطنات مراراً وتكراراً باعتبارها غير قانونية من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والحكومة الأيرلندية، إلا أنها تواصل استخراج الموارد الطبيعية الثمينة والمنتجات الزراعية». وأضافت: «إن هذه السلع تُصدّر وتُباع على الأرفف في أرجاء العالم، بما في ذلك أيرلندا، وهذا نفاق واضح، فكيف ندين المستوطنات باعتبارها غير قانونية، وسرقة للأراضي والموارد، لكننا في الوقت نفسه نسعد بشراء نتاج هذه الجريمة؟».
وتابعت: «لقد رأيت تأثير التوسع الاستيطاني عندما زرت الضفة الغربية خلال العام الجاري: حيث القيود على الانتقال، وانكماش مساحة الإسكان وتقلّص الرعاية الصحية، والافتقار إلى الكهرباء، وقد شاهدت سحق كرامة المجتمع الفلسطيني بمنع موارد المياه بحيث يمكن تحويلها إلى مزرعة دواجن إسرائيلية!». واستطردت: «إن تلك المستوطنات التجارية، المبنية على أراضي مسروقة خارج الحدود المعترف بها دولياً هي جريمة حرب، فهل الرد الأخلاقي هو أن ندين هذا الاغتصاب للأرض، ثم نسأل كم ثمن البيض؟».
وفي هذا المنعطف الحرج، بينما لم يتبق سوى خطوات قليلة قبل خضوع التشريع للتصويت النهائي في البرلمان الأيرلندي، أقحمت مجموعة من أعضاء الكونجرس الأميركيين الموالين لإسرائيل، بقيادة النائبين «الجمهوري» «بيتر كينج» و«الديمقراطي» «إليوت إنجيل»، نفسها في هذه العملية الديمقراطية بتوجيه رسالة إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجية في أيرلندا، يهددون فيها أيرلندا «بتداعيات شديدة في حالة المصادقة على مشروع القانون ليصبح قانوناً سارياً». وتزعم الرسالة خطأ بأن مقاطعة منتجات المستوطنات التي يدعو إليها مشروع القانون ستعارض قانون إدارة الصادرات الأميركية، ومن ثمّ يجعل من الصعب على الشركات الأميركية، مثل آبل وجوجل ومايكروسوفت وغيرها، مواصلة العمل في أيرلندا.
وتشير رسالة «كينج-إنجيل» إلى أن 67? من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أيرلندا، ومصدرها الولايات المتحدة، ستكون معرضة للخطر!
وفي حين من المزعج أن أعضاء الكونجرس الأميركي يحاولون التدخل بهذه الصورة الفجّة في إجراءات ديمقراطية بدولة أخرى نيابة عن إسرائيل، إلا أن الأكثر إزعاجاً هو التشويه السافر لقانون إدارة الصادرات الأميركية. فقد تم تمرير ذلك القانون في سبعينيات القرن الماضي لمنع الشركات الأميركية من الخضوع لضغوط من الجامعة العربية من أجل مقاطعة إسرائيل. وأما قانون «ضبط النشاط الاقتصادي مع الأراضي المحتلة» فلا علاقة له البتة بردّ أيرلندا على ضغوط الجامعة العربية. وإنما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقانون الدولي. وعلى أية حال، فلا تنطبق المقاطعة على إسرائيل، وإنما هي فقط مقاطعة البضائع التي يتم إنتاجها، بما يُشكل انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة، في الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. (وتحظر اتفاقات جنيف بصورة خاصة القوة المحتلة من نقل الناس إلى أراضي احتلتها، وطرد السكان الأصليين، والاستفادة من الموارد الموجودة في هذه الأراضي لمصلحتها. وقد أقرت الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية مراراً وتكراراً بأن سلوكيات إسرائيل في الأراضي المحتلة تتعارض مع الاتفاقيات.)
وأثناء زيارتها التي استغرقت أربعة أيام إلى واشنطن، عقدت السيناتور «بلاك» فاعلية جماهيرية واحدة استضافها المعهد العربي الأميركي ومؤسسة «من أجل السلام في الشرق الأوسط»، كما عقدت لقاءات مع عدد من أعضاء الكونجرس. وحصلت على دعم قوي لجهودها وتصميم على المساعدة في تصويب السجل الخاص بتشويه «قانون إدارة الصادرات الأميركية». ومثلما أشارت مراراً، إذا أُقرّ مشروع قانون «ضبط النشاط الاقتصادي مع الأراضي المحتلة»، فإن أثره الاقتصادي على إسرائيل سيكون ضعيفاً، لأنه على أفضل التقديرات تقدر الواردات الأيرلندية من المستوطنات بمبلغ يتراوح ما بين 500 ألف إلى مليون جنيه إسترليني سنوياً. لكن أهمية القانون ليست في التأثير الاقتصادي الذي يحدثه، وإنما في الرسالة الجلية التي يوجهها بأنه لن يكون هناك تسامح بعد الآن مع استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وبدلاً من مجرّد التعبير عن خيبة الأمل إزاء السياسات الإسرائيلية، فإن الحكومة الأيرلندية ستوجّه رسالة واضحة تقول فيها لإسرائيل: كفى!