عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية في إسرائيل، يحب أن يقول إن بلاده بوصفها ديمقراطية ذات أغلبية يهودية تواجه تهديدين وجوديين: إيران ممتلكة للسلاح النووي، وتحويل نفسها إلى دولة ثنائية القومية عبر احتلال دائم للضفة الغربية بفلسطينييها الـ2.5 مليون. غير أنه إذا كانت لدى إسرائيل استراتيجية لمعالجة التهديد الأول، فإنها لا تملك أي استراتيجية لمعالجة الثاني. وأحد أسباب ذلك – في رأيي – هو تهديد وجودي ثالث لإسرائيل. وهذا التهديد يأتي من أميركا، وخاصة من الرئيس دونالد ترامب، ولكن أيضاً من المشرعين الموالين لإسرائيل في الكونجرس ومن «آيباك»، اللوبي الإسرائيلي الرئيسي في واشنطن.
إنه تهديد أن أميركا ستحب إسرائيل حتى الموت.
فعبر التساهل مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في سعيه وراء سيطرة إسرائيلية دائمة على الضفة الغربية، سيخلق ترامب والكونجرس واللوبي الإسرائيلي وضعاً ستنهار معه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في نهاية المطاف. وقتها سيقول الفلسطينيون لإسرائيل، مثلما بدأ بعضهم في ذلك منذ الآن، إنهم يريدون الجنسية الإسرائيلية. وحينها ستجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن أكثر من 2.5 مليون فلسطيني مع خيارين اثنين فقط: إما تقاسم السلطة معهم على أساس المساواة، أو حرمانهم منها بشكل دائم.
وعندما يحدث ذلك، سيعصف النقاش بكل كنيس واتحاد يهودي ومؤسسة يهودية في أميركا – بما في ذلك «أيباك». فعندما كان ثمة حل دولتين ذو مصداقية على الطاولة، كان ذاك النقاش مكتوماً. ولكن عندما اختفى ذاك الخيار، فيمكن القول إن كل أبواب الجحيم ستفتح في العالم اليهودي وبين التقدميين وأنصار إسرائيل في كل جامعة أميركية. بل إن ذلك بدأ منذ الآن.
مقاربة «كل شيء مسموح» التي يتبناها ترامب تجاه إسرائيل تقدَّم على أنها تحول استراتيجي، ولكنها لم تكن موضوع أي تفكير استراتيجي. والواقع أن ما يحركها هو سعي ترامب للحصول على المزيد من تبرعات الحملة الانتخابية من شيلدون أديلسون، وهو أحد كبار المانحين اليهود اليمينيين، ودفع اليهود لمغادرة الحزب «الديمقراطي» والتصويت للجمهوريين – عبر حصول ترامب على مباركة نتنياهو، وبالمقابل، منح نتنياهو كل ما يريد، بما في ذلك دعم رئاسي ضمني لإعادة انتخابه.
والواقع أن الكثير من مسؤولي «آيباك» يدركون أن كل هذا يمكن أن ينتهي على نحو كارثي بالنسبة لإسرائيل، ولكنهم لا يستطيعون التكلم خوفاً.
وبالتالي، فنحن اليوم أمام وضع تُواصل فيه الولايات المتحدة تقويض وتهديد السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بسبب «التحريض» ضد الإسرائيليين، بينما تتجاهل تعاون عباس الأمني الصامت، المهم والحقيقي جداً، مع إسرائيل – بينما تلوذ بالصمت عندما يستفز نتنياهو العرب الإسرائيليين عبر قوله لهم إنهم ليسوا مواطنين حقيقيين لإسرائيل، وإن اليهود فقط هم كذلك.
تحريض نتنياهو ضد العرب الإسرائيليين يرمي إلى الحؤول دون تشكيل خصومه لائتلاف حاكم معهم يستطيع تنحيته عن السلطة. وفي الوقت نفسه، صاغ نتنياهو شراكة مع «حزب القوة اليهودية» اليميني، وهو حزب جد عنصري ومناوئ للعرب لدرجة أن المحكمة العليا الإسرائيلية منعت زعيمه الأسبوع الماضي من الترشح للبرلمان.
إنه أمر مقزز، ولكن إدارة ترامب لم تنبس بكلمة تنديد واحدة في حق تحالف نتنياهو مع عنصريين معاديين للعرب.
ازدواجية المعايير هذه لديها عواقب استراتيجية. والواقع أنني لست منحازاً للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. فهي تعاني من الفساد وسوء الإدارة، وتحرض أحياناً على العنف، ولكن عباس هو آخر أمل لاتفاقٍ على أساس حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ثم إن السلطة الفلسطينية توفر أيضاً بنيةً تحتية أساسية للحياة الفلسطينية، ومثلما سيقول لك أي مسؤول استخبارات إسرائيلي، فإنها توفر أيضاً تعاوناً يومياً مهماً مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، تعاوناً حافظ على الضفة الغربية هادئة إلى حد كبير لسنوات – وخلّص إسرائيل من كلفة ومشقة إدارتها بشكل مباشر.
غير أن التنافس الشديد بين ترامب و«الديمقراطيين» حول من يمكنه أن يكون أكثر دعماً وموالاة لإسرائيل أدى إلى سلسلة من الأعمال الأميركية العقابية التي جعلت السلطة الفلسطينية قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. وهذا، لن يعمل إلا على التعجيل باليوم الذي سيقول فيه الفلسطينيون لنتنياهو وترامب: «حسناً، لقد فزتم يا جماعة ونحن خسرنا. لقد رحل حل الدولتين، فدعونا نصبح مواطنين إسرائيليين وامنحونا التصويت».
قد يقول قائل إن هذه الكارثة سيمكن تلافيها لأن ترامب جعل صهره جارد كوشنر يشتغل على مخطط سلام للشرق الأوسط والقدس سيكشف عنه بعد الانتخابات الإسرائيلية. ولكن مهلاً. إليكم المأزق الذي قد يجد ترامب وكوشنر نفسيهما عالقين فيه:
المدعي العام الإسرائيلي وجه عدة تهم فساد ضد نتنياهو، الذي أصبح يواجه خطراً قانونياً. والطريق الوحيد الذي أمامه لينقذ نفسه من عواقب التوجيه الرسمي للائحة اتهام له هو محاربة هذه التهم مع بقائه رئيساً للوزراء، وربما محاولة التفاوض حول صفقة لإسقاط التهم في مقابل تنحيه عن الحكم. والحال أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها البقاء في السلطة بينما يواجه التهم، تكمن في تشكيل ائتلاف ديني-يميني يقف إلى جانبه ويسانده. ذلك أن كل الأحزاب الأخرى إما سترفض الانضمام إلى ائتلافه أو ستتخلى عنه وقت توجيه التهم إليه.
«ولكن هذه الحكومة اليمينية لن تقبل أي تنازلات ذات معنى للفلسطينيين»، كما أخبرني مارتن إيندك، وهو سفير أميركي سابق إلى إسرائيل. وعلى العكس، ذلك أن «الأعضاء اليمينيين لمثل هذا الائتلاف سيشددون على ضم أجزاء من الضفة الغربية أو كلها، الآن وقد منحهم ترامب إشارة الضوء الأخضر عبر اعترافه بضم إسرائيل للجولان. وبالتالي، فالمثير للسخرية هو أنه من خلال مساعدة نتنياهو على إعادة الانتخاب، وهو ما يحاول ترامب فعله بكل وضوح، يضمن هذا الأخير خلق حكومة يمينية ترفض مخططه للسلام وأي فرصة للسلام مع الفلسطينيين».
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/03/25/opinion/trump-congress-israel.html