اختلف العلماء حول أول ما خلق الله تعالى، هل هو العرش، أم الماء أم القلم؟ ومازالت الحيرة تنتاب العلماء حتى يومنا الحاضر. وفي هذا، قال عبادة بن الصامت، إن أول ما خلقه الله هو القلم فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. وأقسم الله تعالى بالقلم في قوله (ن والقلم وما يسطرون)، وذلك دليل قاطع بعظمة المقسوم به. العلم والحضارة لا تبنى إلا بالقلم والقراءة، وبهما ينتقل الفرد من مستنقع الجهل والظلام إلى النور والعلم. فأول ما أمر الله تعالى به البشرية القراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق). وفي سورة النمل، فضّل سيدنا سليمان عليه السلام العفريت الذي آتاه الله علماً من الكتاب، على العفريت الذي توسل بقوته إليه في قوله: «قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر).
إن الفرق الجذري بيننا وبين سائر المخلوقات هو العقل، فهذه النعمة التي ميزنا الله بها يجب أن تنشط حتى لا يكون الإنسان تابعاً لأفكار الآخرين. قال الله تعالى ولقد كرمنا بني آدم، أي كرمه بالعقل والذي من خلاله يستطيع الفرد التدبير والتفكير والتحليل والتميز. أما الذين عطلوا عقولهم ذمهم الله في القرآن وشبههم بالحيوان في قوله «إن هم إلا كالأنعام بل أضل سبيلا». والله سبحانه وتعالى خلق قدرات متباينة لسائر مخلوقاته. فإذا قارن حواس الإنسان بالحيوان على سبيل المثال فإن حاسة الشم لدى الكلب تفوق البشر، وحاسة البصر لدى النسر تفوق حاسة البشر. ولا يستطيع أسرع متسابق رياضي التفوق على سرعة فهد في البر، وشاهين في الجو، وسمكة الزعنفة الشراعية في البحر...الخ
الميزة التي تربعت عليها البشرية هي العقل، إذا يجب تنشيط وتقوية العقل بالقراءة، والتي أثبتت الأبحاث أنها تقي الفرد من الأمراض العقلية وتُقوي الذاكرة. نشرت نتيجة أبحاث في صحيفة التيليجراف بأن القراءة من العوامل التي تساعد في الوقاية من مرض الزهايمر الذي يصيب خلايا الدماغ عند الكبر، وكذلك تحارب الأمراض العصرية مثل التوتر، القلق، والاكتئاب. وتشير بعض الدراسات إلى أن القراءة لمدة ست دقائق فقط تعمل على تهدئة معدل ضربات القلب. وأجرى اختبار لقدرات الذكاء في جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية بين فئتين: الأولى من القراء منذ الطفولة، والثانية قراء في سن متأخرة، فوجدوا بأن القراءة منذ الطفولة ترفع من حدة ذكاء الفرد بنسبة 50 بالمئة.
القراءة تزيد الحصيلة اللغوية والمفردات والتراكيب التي تمكن القراء من التأليف والكتابة. أثبتت الكثير من الدراسات العلمية أن القراءة لها تأثير في تكوين شخصية الفرد. وتمنح القراءة من اعتادوا عليها قدرة هائلة على قراءة، وتحليل مشاعر وأفكار الآخرين. ولتنمية هذه المهارة ينصح بقراءة الأدب الخيالي والروايات والقصص. القراءة تكسب الفرد أبعاداً فكرية تجعله مميزاً في المجتمع عن الآخرين في طريقة طرحه للقضايا ونوعية فكره. يؤكد الباحثون أن هناك علاقة طردية بين القراءة والقدرات الابداعية للفرد. فالقراءة في مجالات عديدة تمكن الفرد من إنتاج فكر غير مألوف، نظراً لتشعب القدرة المعرفية لديه. كما تزيد القراءة من تصالح الإنسان مع نفسه، وذلك يولد من التسامح الذي يكتسبه من معايشته لكثير من الثقافات والشخصيات والدول من خلال الكتب. كما يقال «فالكتب تسمح لك بعيش حيوات متعددة». بشكل عام القراءة تؤثر في شخصية الفرد، وتجعله أكثر ثقة بنفسه، وإيجابياً في التعامل مع المؤثرات الخارجية ومنفتحاً ومتقبلاً لآراء الآخرين. ولكي يتحرر الإنسان من عبودية فكر الآخر يجب عليه مرافقة القلم والورقة والكتاب.