في زاوية على الطريق الذي يقع عليه منزل «داني موريسون» في غرب بيلفاست عاصمة إيرلندا الشمالية، حيث مقر مركز الشرطة، الذي كانت هدفاً لعدة عمليات قصف خلال «الاضطرابات». الآن اختفى المركز وحلت محله منطقة خضراء. وعلى بعد ساعة من هذا المكان، تظهر الحدود بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية على الخريطة فقط.
ويقول موريسون، وهو متطوع سابق في «الجيش الجمهوري الأيرلندي» أمضى سبع سنوات في السجن، إنه منذ التغييرات التي أتت بها اتفاقية بيلفاست التي أنهت «الاضطرابات»، «لم يعد القوميون يشعرون بأنهم هُزموا» في أيرلندا الشمالية. وأصبح الاستقطاب حول وضع إيرلندا الشمالية أقل قوة في وقت انشغل فيه الناس بقضايا تهمهم بشكل أكثر مباشرة.
ورغم تحفظاته بشأن التنازل المطلوب، فإن موريسون أيّد المشاركة في حكومة تقاسم السلطة المحلية، المعروفة بال«ستورمونت». ولكن بسبب طريقة تعامل السياسيين البريطانيين والوحدويين الإيرلنديين الشماليين مع بريكست، وبسبب فضيحة غير ذات علاقة أدت إلى سقوط الحكومة قبل عامين، تغير ذلك اليوم إذ يقول: «لقد خاب ظني في الـ«ستورمونت».
والواقع أن«موريسون»ليس سوى نموذج واحد للطريقة التي أحيت بها«بريكست» التوترات الإيرلندية التي كانت قد توارت خلال عقدين من السلام.
فقبل أقل من ثلاثة أسابيع على انتهاء المهلة المحددة لانسحاب المملكة المتحدة المرتقب من الاتحاد الأوروبي، ما زالت مسألة ما سيحدث بالضبط في 29 مارس غير واضحة كليا. ولكن بغض النظر عما سيحدث، فإنه يبدو من المؤكد أن العملية ستترك ندوبا دائمة على العلاقات بين المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا التي تدنت إلى أدنى مستوى لها منذ عقود.
وفي هذا الإطار، يقول«ديارميد فيريتر»، أستاذ التاريخ الإيرلندي المعاصر بجامعة كوليدج دابلن: «إن عمر الحدود 100 عام تقريبا، وقبل 100 عام كان ثمة شعور بأن أيرلندا بيدق في المشهد السياسي البريطاني»، مضيفا «بالنسبة للبعض هناك شعور بأن التاريخ يعيد نفسه».
عندما كانت بريطانيا تناقش «بريكست» قبل استفتاء 2016، لم تكن ثمة إشارة لما سيعنيه ذلك بالنسبة لإيرلندا، حيث لدى المملكة المتحدة حدودها البرية الوحيدة مع الاتحاد الأوروبي.
تلك الحدود كانت عبارة عن منطقة عسكرية خلال «الاضطرابات»، وهي فترة الحرب التي شهدتها إيرلندا الشمالية لأكثر من ثلاثة عقود، عندما قاتلت مليشيات قومية إيرلندية القوات البريطانية والمليشيات الموالية لها بهدف جعل إيرلندا الشمالية جزءا من جمهورية إيرلندا. ولكنها انتهت باتفاقية بيلفاست في 1998، التي جلبت السلام إلى الجزيرة وأتاحت إمكانية السفر والتجارة بين الشمال والجنوب.
اليوم، لا يظهر الخط الذي يقسّم إيرلندا على طول 310 أميال سوى على الخريطة. ومن بين المؤشرات القليلة على أنك دخلت إلى إيرلندا الشمالية من الجمهورية هو أن لوحات تحديد السرعة هناك تعتمد الأميال بدلا من الكيلومترات. وسهولة الحركة بين الشمال والجنوب ممكنة جزئياً، لأن كلا البلدين عضوان في الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة التابعين للاتحاد الأوروبي، ولهذا فإنه ليست ثمة حاجة لمراقبة وتفتيش السلع التي تعبر بين البلدين.
ولكن «بريكست» تهدّد بتغيير كل ذلك. فحاليا، تقوم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا بآخر المحاولات لإقناع المشرّعين بدعم الاتفاق الذي تفاوضت بشأنه مع الاتحاد الأوروبي والذي يضع شروط «بريكست»، التي من المقرر أن تُعرض على تصويت في البرلمان يوم الثلاثاء المقبل. وإذا تم رفض الاتفاق في التصويت، مثلما هو متوقع حاليا، فإن أحد الأسباب الرئيسية سيكون «الباك ستوب» (أو «شبكة الأمان») الإيرلندية - وهو عبارة عن بند يمكن أن يترك المملكة المتحدة مرتبطة مع الاتحاد الأوروبي بشكل أقوى لفترة غير محدودة.
والغرض من «الباك ستوب» هو أن يكون بمثابة بوليصة تأمين للحؤول دون عودة حدود مادية في حال لم يتم التوصل لاتفاقية أكبر بنهاية فترة بريكست الانتقالية في 2020، ذلك أن الحدود المفتوحة أساسية للحفاظ على كل من اتفاقية بيلفاست، وعلى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة التي تطورت منذ نهاية «الاضطرابات» بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا.
ولكن أنصار«بريكست» البريطانيين يرفضون قبول خطة ماي لـ«الباك ستوب» خشية أن تمنع المملكةَ المتحدة من ترك قوانين الاتحاد الأوروبي حقا. وعلاوة على ذلك، فإن الحزب«الوحدوي الديمقراطي»، وهو حزب إيرلندي شمالي بروتستانتي تعتمد عليه ماي لدعم حكومة الأقلية التي تقودها، يعارض ذلك أيضا، محاججاً بأن من شأن ذلك أن يعرّض إيرلندا الشمالية لقواعد مختلفة عن بقية المملكة المتحدة.
وهذا ما ترك المملكةَ المتحدة على شفا مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، ما قد يعني اعتماد عمليات المراقبة والتفتيش على الحدود من جديد. كما يخشى كثيرون على جانبي الحدود أن تجذب بنيةٌ جمركية على الحدود هجماتِ معارضين مستاءين من عملية السلام، وأن يتصاعد العنف بسرعة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة«كريستيان ساينس مونيتور»