هل بات العراق بالفعل فريسة جديدة داخل المصيدة الإيرانية، تلك التي لها رؤى وأهداف دوجمائية لا تلوي عنها قيد أنملة، ومنذ يوم وصول الخميني إلى طهران وحتى الساعة؟ قبل الجواب ينبغي التذكير بأن المراوغة الإيرانية كانت ولا تزال علامة رئيسة لجماعة الملالي الحاكمة عبر أربعة عقود، عطفا على قدرة فائقة في الالتفاف على التضاريس من أجل الوصول للأهداف التي حددها مرشد الثورة الأول، برفع العلم الإيراني على عواصم وعوالم عربية من القاهرة إلى بغداد، ومن الرياض إلى صنعاء، مروراً بدمشق وبيروت.
استطاع الإيرانيون خداع البعض لا سيما الجانب الأميركي بعض الوقت، غير أنه كان من العسير عليهم بمكان الاستمرار في الخديعة كل الوقت وإلى ما لانهاية، وقد كان ولا يزال زمن دونالد ترامب، هو وقت تقديم كشف الحساب الإيراني، وقد أدرك الإيرانيون فعلاً وقولاً أنهم في مواجهة مأزق بل ربما مآزق عدة، تبدأ من عند العقوبات الاقتصادية، وتنطلق إلى جهة المواجهات التي ترتبها موازنة أميركا الدفاعية الجديدة لملاقاة الإيرانيين في الخليج العربي والشرق الأوسط، والعمل على قطع أوصال حضورهم غير المحبوب أو المرغوب.
في الآونة الأخيرة كان إقرار الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن بلاده تواجه أوقاتاً عصيبة من جراء التضييق المالي الأميركي عليها، ولهذا بدا واضحا أن هناك محاولات جارية بل ضارية للخروج من هذا الإشكال، وفيما يبدو فان العراق مرشح بدرجة كبيرة للوقع في فخ المصيدة الإيرانية من جديد.
منذ اليوم الأول لسقوط نظام صدام حسين، أدرك المراقبون لشؤون وشجون المنطقة أن إيران اكتسبت نفوذاً جديداً، وملات فراغات قوة مستحدثة من خلال اللعب على أوتار الدوجمائيات، وإعادة إحياء النعرات الطائفية بين العراقيين، فيما لا تزال علامة الاستفهام الكبرى:«هل حققت واشنطن أية مكاسب من غزوها للعراق أم لا»؟
جاءت زيارة روحاني الأخيرة إلى العراق وكأنها حيلة لجر العراقيين إلى ساحة المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، وبالنسبة للملالي فأنهم اعتادوا تاريخياً نصب الفخاخ بوسيلة أو بأخرى، وهذه المرة يتبدى للعيان أن هناك شركاً اقتصادياً، بل وسياسياً كبيراً تسعى إيران لإسقاط دولة الرشيد في براثنه.
باختصار غير مخل، أدرك الإيرانيون أن قصة الآلية الأوروبية للإبقاء على العلاقات الاقتصادية مع إيران غير نافذة، وربما غير قابلة للتطبيق، وأن الأوروبيين في نهاية المطاف لن يقدر لهم مخالفة الإرادة الأميركية إلى مدى بعيد، وعليه فقد كان ولابد من السعي إلى منفذ آخر، يتم من خلاله إيجاد حلول ربما تعين الإيرانيين على مواجهة قادم الأيام والنوايا الأميركية لحصارهم.
ما يسعى إليه الإيرانيون بقيادة روحاني في بغداد لفتت إليه بعض وسائل الإعلام الإقليمية والدولية الانتباه، ومضمونه يتمحور حول استخدام بغداد كقناة خلفية لتسهيل تعاملات إيران المالية، وبمعنى أكثر توضيحاً أن تقوم إيران ببيع نفطها الذي تحظره أميركا إلى العملاء الأجانب من بقية دول العالم، ولما كانت غير قادرة على تلقى مدفوعات مباشرة عبر الأنظمة المالية الدولية، وبخاصة «السويفت كود»، و«الآيبان»، لذا فقد تفتق ذهن القيادة الإيرانية على أن تصل تلك المدفوعات إلى العراق، كما لو أن النفط المباع نفطاً عراقياً، ولاحقاً تقوم البنوك العراقية بتحويل المدفوعات بالعملة التي تريدها طهران، وهي غالباً «اليورو» وليس الدولار. أحد أهم الأسئلة في هذا السياق هل العراقيون عن بكرة أبيهم موافقون على ارتهان إرادتهم لإيران على هذا النحو؟
يمكن القطع بأن قطاعاً كبيراً من العراقيين رافضين لمثل هذه الهيمنة والسيطرة الإيرانية في الداخل العراقي، لكن هذا النفر تكاد تهزمه المحاصصة الطائفية القائمة في داخل البلاد، وان بقي صوت الجماعات الرافضة لآيات الله عراقياً عالية، ما تمثل في تدشين شعار انتشر بسرعة كبيرة على وسائط الاتصال الاجتماعي حمل عنوان «لا لروحاني في بغداد».
لكن واقع الحال يشير إلى أن العراقيين أمام ضغوطات شديدة من الجانب الإيراني، ومن الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران، والتي يدير عملياتها في الداخل العراقي الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني.
العراقيون الآن في أزمة حقيقية، ذلك أنهم أضحوا بين المطرقة والسندان، مطرقة الضغوطات الإيرانية، وهي الأشرس ربما من الناحية اللوجستية، وسندان الرفض الأميركي لأن يتحول العراق إلى خلفية وساحة لوجستية اقتصادية تخدم أهداف الإيرانيين، فيما أشار الممثل الأميركي الخاص لإيران «بريان هوك» بأن الحكومة الإيرانية لا تضع الإيرانيين على سلم أولوياتها، فلماذا يضع روحاني رفاهية الشعب العراقي على سلم اهتماماته؟".
مستقبل المشهد مرشح لأن يضحى كالتالي: أن يقبل العراق الطرح الإيراني كما من يتجرع الدواء المر، وعليه يقوم الأميركيون بفرض عقوبات على العراق، فيطالب الأخير القوات الأميركية بالرحيل من العراق مرة وإلى الأبد، ما يفقد ترامب بعض من أهم أوراقه العسكرية في الخليج العربي.
الخلاصة.. العراق يحتاج لدعم الأشقاء لإنفاده من مصيدة الإيرانيين، وبراثن الأميركيين دفعة واحدة.
*كاتب مصري