في موازاة الإخفاقات الداخلية والخارجية التي تحيق بالإدارة الأميركية، وتنعكس استقالات متوالية من مناصبها العليا، ازدهرت نظرية تقول: إن قوة الرئيس دونالد ترامب كامنة في الأداء الاقتصادي. هنا مصدر النجاح الموعود الذي سيفضي إلى إعادة انتخابه في العام المقبل، لولاية ثانية في البيت الأبيض.
التطورات التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية تحمل على بعض التشكيك بهذه النظرية. يكفي أن نراجع بعض أهم الأخبار التي تلاحقت بإيقاع سريع:
في 28 فبراير الماضي، أُعلن عن تباطؤ في النمو الاقتصادي طال الفصل الرابع والأخير من عام 2018 المنقضي. فهو انخفض إلى ما دون نسبة 3,4 بالمئة التي سجّلها الفصل الثالث من العام نفسه، الأمر الذي أعاده المحلّلون الاقتصاديّون إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكيّ وانتهاء مفعول الخفوضات الضريبيّة التي اعتمدتها إدارة ترامب.
لكنْ في 6 مارس تناقلت الأنباء خبراً أسوأ: لقد قفزت الهوّة التجارية بين الولايات المتحدة وباقي العالم، في 2018، إلى 621 مليار دولار، وهو أعلى فارق منذ عشر سنوات. وجدير بالذكر أن أحد أبرز وعود ترامب في حملته الانتخابية كان تقليص هذا الفارق بين الصادرات والواردات. لقد أظهرت الأرقام الرسمية أن الصادرات الأميركية، من سلع وخدمات، ارتفعت في العام الماضي بما قيمته 148,9 مليار دولار، إلا أن الواردات قفزت قفزة أكبر بلغت 217,7 مليار. وهذه، مرّة أخرى، هي الفجوة الأضخم منذ 2008، سنة انفجار الركود الأميركيّ والعالميّ. وهنا أيضاً يذهب المحلّلون إلى اتّهام السياسات الاقتصاديّة المعمول بها في واشنطن: ذاك أن نهج الإعفاءات الضريبية المعتمد إنما أدى إلى توسيع الاستهلاك الأميركي للسلع الأجنبية، وبالتالي إلى ضخ الكثير من الإنفاق إلى الخارج. في الآن نفسه ساهم تباطؤ النمو في أجزاء أخرى من العالم في ارتفاع قيمة الدولار ورفع كلفة الصادرات الأميركية مع تقليص قدرتها التنافسية.
وفي 8 مارس، ظهرت إشارة سيئة أخرى: فقد جاءت أرقام فبراير الماضي تقول إنّ الاقتصاد لم يخلق إلا عشرين ألف فرصة عمل جديدة، فيما كان الرقم المنتظر 180 ألفاً. وهذا ما عُدّ النمو الأدنى في القطاعات غير الزراعية منذ سبتمبر 2017، حين تأثرت العمالة سلباً بإعصاري هارفي وإيرما.
ما من شكّ في أن هذه الأرقام الأخيرة ليست ذات دلالة مطلقة، فضلاً عن خضوعها لتحليلات وتحليلات مضادة لا تخلو من التضارب. حتى باتريشيا كوهن، المحررة الاقتصادية في «نيويورك تايمز» سجّلت الآراء التي تجزم بأن التفاؤل لا يزال سمة المرحلة، وأن الأرقام المخيّبة للآمال قد تكون عارضة ومتواضعة الأهمية.
لكن ما يرجّح كفة القلق هو الوضع العالمي في صلته بالاقتصاد الأميركي تأثراً وتأثيراً. فالاقتصاد الصيني –وهو الثاني عالمياً– يتراجع أداؤه للمرة الأولى منذ سنوات عديدة نسبياً. والاقتصادان، كما نعلم، يخوضان حرباً تجارية يرى كثير من المراقبين أن أحداً لن يخرج منتصراً منها. وإلى الغموض الذي تضفيه بريطانيا وبريكسيت على اللوحة العامة، فإن اقتصادات أوروبا ليست في أحسن أحوالها، علماً بأن بعض أكبرها، كالاقتصاد الإيطالي، ينحدر سريعاً على الطريق اليوناني.
بدورها أصدرت «منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين» (OECD) تقريراً يخرج بنا من الأشجار المتفرقة إلى الغابة، فيرسم صورة داكنة للاقتصاد الأميركي في ظل إدارة ترامب، مع قدر من التركيز على الآثار السلبيّة التي تركتها الجهود المتراكمة والمديدة نسبياً لتحطيم العمل النقابي والمنظّم. هذا بينما يحذّر الحاكم السابق للبنك المركزي الهندي وأحد الاقتصاديين السابقين في صندوق النقد الدولي، راغهورام راجان، من أن الرأسمالية تواجه «تحدياً خطيراً»، ولأنها لم تعد تقدّم شيئاً للسكّان، فإن «الكثيرين قد ينتفضون عليها».
فأين تنتهي مشكلة ترامب وأميركا لتبدأ مشكلة العالم؟ هذا هو السؤال الذي لابد أن يتعاظم عدد الذين يطرحونه ويتخوفون من إجاباته المحتملة.

*كاتب ومحلل سياسي -لندن