في يوم الرابع عشر من شهر فبراير الماضي، تعرضت قافلة عسكرية هندية إلى هجوم في منطقة «بولواما» بالجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير المتنازع عليه بينها وبين جارتها باكستان. واتهمت الهند جماعة إرهابية، تتخذ من باكستان مقراً لها، بتنفيذ الهجوم الإرهابي الذي راح ضحيته 44 جندياً من قوات الأمن الهندية.
وبعدئذ بوقت قصير قامت الهند، وهي التي تتجه نحو انتخابات عامة خلال الأسابيع المقبلة، بشن هجوم عسكري انتقامي، ووقع عدد من الاشتباكات بين القوات الجوية الهندية والباكستانية. وأُسقطت طائرة هندية واحدة على الأقل، واعتُقل طيارها، لكن سرعان ما أعادته باكستان إلى الهند بأوامر من رئيس الوزراء الباكستاني الجديد «عمران خان»، كلَفتَة سلام نحو الجانب الهندي. وعند هذه المرحلة توقف القتال، وانحسرت مخاطر التصعيد.
وكانت هذه الحادثة هي الحلقة الأشد عنفاً في مسلسل النزاع الطويل بين الجارتين النوويتين في جنوب آسيا منذ شهري مايو ويونيو عام 1999، عندما خاضت القوات الهندية والباكستانية معركة دموية في مرتفعات كارجيل بإقليم كشمير، على خلفية اتهامات حول تسلل عناصر إرهابية عبر ما يسمى «خط السيطرة» في الجانب الهندي. وبعد تدخل قوي من الولايات المتحدة، أمرت الحكومة الباكستانية قواتها بالانسحاب.
وربما تبدو مخاطر اندلاع حرب جديدة واضحة المعالم في الوقت الحالي، خصوصاً مع خوض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حملة شرسة لإعادة انتخابه على رأس الحكومة، بينما تروق دعوة القومية الهندوسية لكثير من الناخبين الهنود، فيما يخشى بعض المسلمين في الهند، والذين يبلغ تعدادهم نحو 170 مليون نسمة، من التعرض للتضييق على أيدي القوميين الهندوس.
وبالمثل، يواجه رئيس الوزراء الباكستاني تحدياً شديداً، في ظل النفوذ القوي الذي يحظى به الجيش ووكالات الاستخبارات القومية الباكستانية.
ومنذ تقسيم الهند البريطانية في عام 1947، والذي أدى إلى قيام دولتين منفصلتين هما الهند وباكستان، تزايدت الخلافات بين الدولتين. وأسفرت الحرب الأهلية بين شرق وغرب باكستان في عام 1971 عن قيام دولة بنجلاديش في الشرق، وهو ما اعتبرته النخبة في غرب باكستان كارثة وطنية كان للهند يد فيها. وفي السنوات التي أعقبت الحرب، طورت الهند أولاً، ثم باكستان من بعدها، أسلحة نووية. وأضحت كلتاهما الآن دولتان نوويتان لديهما القدرة على تدمير إحداهما الأخرى.
وعلى الرغم من امتلاك كلتا الدولتين لقدرات عسكرية تقليدية كبيرة، فإن آفاق الحرب النووية تُقيّد قدرة الدولتين على استخدام القوة التقليدية في حرب كاملة النطاق من دون إثارة ردّ نووي.
وكثيرون ضمن النخبة الباكستانية، خصوصاً بين الطبقة المثقفة وقطاع الأعمال، يدركون أن الصراع المتواصل مع الهند عقبة كبيرة تحول دون تطوير باكستان لإمكاناتها التنموية كدولة حديثة. ولعلّ الغياب النسبي للتجارة والاتصالات بين البلدين مسألة مضرّة لكلتيهما. وتظل المشكلة الجوهرية هي اعتقاد كل من الدولتين بأن الدولة الأخرى تشكل تهديداً لها الأخرى. وإلى ذلك فإن قطاعات من النخبة الهندية ما تزال غير مقتنعة بعد بواقع تقسيم «الهند البريطانية»، ولا تزال تتطلع إلى إعادة توحيد شبه القارة الهندية تحت لوائها.
وطالما استمر اعتناق مثل هذه القناعات، في البلدين، فإن أفق التوصل إلى حل تفاوضي للصراع ستظل بعيدة المنال.
وبصورة أكثر دقة، يعني ذلك أنه ما لم يُحل النزاع في كشمير، ستظل الأزمة في شبه القارة الهندية قائمة مع احتمال اندلاع حرب متكاملة الأركان.
وعلاوة على ذلك، ومع تقارب العلاقات الباكستانية الصينية وتعزيزها، وبقاء توتر العلاقات بين إسلام أباد وواشنطن، خصوصاً بشأن مستقبل أفغانستان، ستظل باكستان حريصة على التصدي لأي استهداف للمصالح الأميركية أو الأوروبية من قبل إرهابيين محليين.
وعلى الرغم من مخاوف باكستان إزاء تزايد أبعاد التعاون الأميركي الهندي، فإن القادة الباكستانيين لا يشعرون بأن هذه العلاقات قوية بما يكفي لتحفيز الولايات المتحدة للمشاركة في جهود مكافحة التمرد على الأراضي الباكستانية. وفي ضوء ذلك، من المرجح أن تستمر المناوشات بين نيودلهي وإسلام أباد، بينما تكافح الهند من أجل وضع استراتيجية فعّالة لردع الهجمات المماثلة للهجوم الأخير من دون اندلاع حرب كبرى يمكن أن تخرج عن السيطرة لتشمل استخدام أسلحة نووية.

*مدير البرامج الاستراتيجية في مركز نيكسون -واشنطن