دبي بناها شيوخ آل مكتوم الكرام بخلق التواضع والتسامح والانفتاح. ومنذ دخول «الربيع» المخادع على خط التغيير الثوري الهائج، ودبي تدحض أكاذيب إعلام «جزيرة» الدوحة، وما تروّجه عبر قنواتها المتربصة بكل إنجاز.
اليوم دبي تنافس الصاعدين، بعد أن غدت دوحة العالم وقبلته من أكبر عشر عواصم ووجهته التي لا تخفى على بصيرة العين الثاقبة للعين الحاسدة التي ضاقت عليها الأرض بما رحبت وضاقت عليها أنفسها وضاعت معالمها منذ افتعال الفبركات الرخيصة والموجهة لترويج كلام كل «كذاب أشر».
في إحدى رحلاتي العائدة من لندن جلس بجانبي رجل أوروبي لم ينبس معي بكلمة واحدة طوال زمن الرحلة، وفي الدقائق الأخيرة قبل هبوط طيران الإمارات من المعتاد أن تقوم الشركة بعرض فيلم ترويجي عن دبي فوقف عند لقطة تصور لحظة تزلج بعض السياح على الرمال الذهبية الساحرة للقلوب قبل العيون العابرة مثل هذا المسافر الذي جعل من دبي محطة عبور إلى إحدى الدول الآسيوية، فعندما أدهشه منظر التزحلق على تلك الرمال الناعمة، نطق الرجل فسألني هل هذه الرياضة الرملية في دبي فعلًا، وهل ما أشاهده في هذا المشهد الرائع حقيقة؟!
قلت له نعم وأكثر من ذلك لو سِحت في ربوعها لعدة أيام، ثم عقب قائلاً لو كنت أعلم من قبل هذا بأن هذه دبي لغيرت وجهتي إليها. هذا الأوروبي الغريب يستغرب ولا يصدق بأن دبي أرض للمرح والفرح، ولكن بالمقابل القريب والنسيب فرِح بالشماتة لا بالبهجة التي أضفتها دبي على وجه أكثر من مليار إنسان حمل معه ما يشجعه للعودة إليها بلا تردد وهو مغمض العينين من خلالهما يبصر الحقائق التي عُمِّيت على «الدوحة» الغيورة، قال أحدهم يوماً سنسبق دبي في غضون سنوات، فأجبته من يسابق نفسه لا يُسبق «أولئك يسارعون في الخيرات هم لها سابقون».
دبي عندما وضعت خطتها «الخمسينية» ولا أقول الخمسية منذ سنوات، لم تضع «الدوحة» في اعتبارها ولم تكن الأخيرة أيضاً ترمومتراً تقيس بها مدى تقدمها. دبي تملك رؤية بعيدة المدى لمشاريعها التنموية المستدامة، لقد تشرفت بتواجدي مع الشيخ خليفة آل صباح، والشيخ حشر آل مكتوم في حفل تدشين مجلة «نيوز ويك» الأميركية النسخة العربية التي يملكها الشيخ آل صباح. فذكر لنا قصة له مع الشيخ راشد رحمه الله قبل عقود من فترة التسعينيات، عندما كان يزور دبي بصفة مستمرة ففي إحدى هذه الزيارات طلب منه الشيخ راشد مرافقته إلى مكان ما دون أن يذكر اسمه.
فلما وصلا عبر الحوامة «الهيليوكبتر» إلى مكان قفر مقطوع عن البلد ليس فيها غير الحصاة وهي فعلاً تسمى بـ«الحصاة» قبل أن تُعرف بجبل علي.
سأل آل الصباح الشيخ راشد عن اصطحابه إلى هذا المكان الذي لا زرع فيه ولاضرع إلا هوام الأرض ودوابها وخاصة الزواحف كالورل والضب الذي كنا نلعب به في طفولتنا إذا ما ذهبنا للصيد مع آبائنا. ولكن رؤية راشد كانت عابرة لما خلف البحار من اقتصاد المال والأعمال والاستثمار طويل المدى.
فسمع آل الصباح بوح رؤية راشد لهذا المكان، وأن لديه خطة لإنشاء ميناء آخر في هذه البقعة المباركة وفق رؤية صانع تاريخ دبي الحديث.
يقول الشيخ خليفة آل صباح: (فشُرت عليه ألا يقوم بذلك لأن ميناء راشد يكفي احتياجات دبي وزيادة في ذلك الوقت). ولم نلتق بعد ذلك لفترة طويلة حتى جلست بينكم في هذا المكان بمدينة «دبي للإعلام» الصرح الذي لم أتصور أني سأقوم بتدشين هذه المجلة فيه بعد أن وارى الثرى جثمان راشد ولم يوار رؤيته الثاقبة رحمه الله رحمة واسعة. اليوم يصل عدد الشركات العاملة بمنطقة جبل علي بعد أن أصبحت رؤية راشد واقعاً وفاعلاً اقتصادياً، قرابة سبعة آلاف شركة لم تهرب واحدة منها إلى «الدوحة».