كارثة واجهناها من قبل! فهناك خيبة أمل واسعة النطاق إزاء الأداء الاقتصادي في الولايات المتحدة. والسياسات التقليدية لا تحقق النتائج المرجوّة. ورئيس لا يحظى بشعبية كبيرة، وحزب معارضة محبط خسر الانتخابات الرئاسية السابقة رغم أنه رشّح أحد أقطاب نخبته. والظروف الاقتصادية المتبدلة أدت إلى تطوير أفكار اقتصادية جديدة تعكس قطيعة كبيرة مع ثوابت الماضي.
والآن، تخضع هذه الأفكار الجديدة إلى مبالغة وإفراط في التبسيط من قبل خبراء اقتصاد مغمورين يدافعون عنها كما لو أنهم يدافعون عن حقيقة، زاعمين قدرة الحكومة على إنفاق المزيد من دون فرض أي أعباء على أي شخص.
لكن بحلول نهاية سبعينيات القرن الماضي، كانت هذه هي نظرية «اقتصاد العرض ومنحنى لفر»، والتي ركّز واضعوها على تحفيز العرض من سلع وخدمات من خلال تخفيضات ضريبية وتخفيف القيود واللوائح، أملاً في أن يُولّد ذلك طلباً موازياً. وقد بدأت بفكرة صحيحة وهي أن للضرائب تأثيرات محفزة مهمة، ولكن في ظروف مواتية، يمكن أن تؤدي التخفيضات الضريبية إلى زيادة في الإيرادات. لكن هذه الفكرة تحولت إلى فكرة سخيفة وهزلية بأن التخفيضات الضريبية ستعوض نفسها دائماً، ومن ثم تبنّى جناح متطرف ومحبط في حزب سياسي كبير هذا الاعتقاد الخاطئ. وقد كان جورج بوش الأب محقاً أثناء حملة المنافسات التمهيدية الرئاسية في عام 1980 بوصفه ذلك التفكير بأنه «شعوذة اقتصادية». وخلال العقود التالية، أحدث ذلك الاعتقاد ضرراً بالغاً بالاقتصاد الأميركي.
والنظرية النقدية المعاصرة هي «اقتصاد العرض» في عصرنا؛ إذ حولت فئة من الاقتصاديين المغمورين فكرة صحيحة بشأن ضرورة إعادة التفكير في مقدسات السياسات النقدية لاسيما في عصر انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، إلى مزاعم سخيفة بأن الإنفاق الضخم على ضمانات وظيفية يمكن تمويلها من قبل البنوك المركزية من دون إضافة أي أعباء على الاقتصاد. وفي خضم المرحلة الراهنة من خيبة الأمل السياسية والاقتصادية، يُعوّل جناح متطرف في حزب سياسي خارج السلطة على تلك المزاعم أملاً في تقديم حوافز جاذبة سياسياً في خضم الصعوبات الاقتصادية.
بيد أن النظرية النقدية المعاصرة باطلة على مستويات متعددة. ففي البداية، تدافع هذه النظرية عن فكرة أنه بطباعة النقود، فإن الحكومة يمكنها تمويل عجزها من دون أي تكلفة. وفي الحقيقة، في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، تدفع الحكومة فائدة على أي أموال جديدة تطبعها، في صورة احتياطات نقدية تحتفظ بها البنوك في البنك المركزي الأميركي. وعلى رغم من وجود سيولة نقدية كبيرة متداولة، لكن حجم هذه السيولة لا يمكن للحكومة أن تتحكم فيه.
ثانياً: على النقيض من مزاعم أنصار النظرية النقدية المعاصرة، ليس حقيقياً أن الحكومات يمكنها ببساطة طباعة أموال من أجل سداد الالتزامات المستحقة كافة وتفادي العجز عن سداد الديون. ومثلما تشير تجربة عدد من الأسواق الناشئة، عند نقطة محددة، تفضي هذه الطريقة إلى تضخم مفرط. وفي الحقيقة، تفاقمت حدة التضخم في الأسواق الناشئة التي طبقت النظرية النقدية المعاصرة إلى حد مضاعفة الناس لمشترياتهم لتفادي الزيادات السعرية في الساعة التالية.
ثالثاً: سيؤدي الاعتماد على تمويل البنوك المركزية للعجز الحكومي، مثلما يقترح منظّرو النظرية النقدية المعاصرة، على الأرجح إلى انهيار أسعار الصرف. وسيقود ذلك بدوره إلى زيادة في معدلات التضخم، وارتفاع في أسعار الفائدة (بسبب التضخم) وسيفضي إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وتراجع الأجور الحقيقية مع انهيار سعر الصرف، وارتفاع أسعار الواردات.
وأؤكد أن هذه ليست مجرد نظرية، فقد اكتشف عدد من الأسواق الناشئة، على عكس ما تقتضيه النظرية النقدية المعاصرة، أنه لا يمكن طباعة الأموال لتغطية التزامات مالية محلية. وينطبق ذلك على الاقتصادات الصناعية. فحكومة ميتران في فرنسا عام 1981 وحكومة شرودر في ألمانيا عام 1998 بدأتا اتباع نهج مماثل للنظرية النقدية المعاصرة، لكنهما اضطرتا إلى تعديل مسارهما من جديد. وتعين على كل من البريطانيين والإيطاليين اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أثناء منتصف سبعينيات القرن الماضي بسبب الإفراط في الاعتماد على التمويل التضخمي.
وقد كان «اقتصاد العرض» امتداداً غير منطقي لسياسات صحيحة، وقليلون في الوقت الراهن هم من يؤيدون معدلات ضريبية على الشركات بنسبة 46 في المئة ومعدلات ضريبية تصل إلى 50 في المئة على شريحة كبيرة من دافعي الضرائب كتلك التي كانت سائدة في سبعينيات القرن الماضي.
وبالنسبة لليمين واليسار ليس هناك شيء من دون مقابل، ومسؤولية خبراء الاقتصاد الجادين، أيّاً كان انتماؤهم السياسي، أن يوضحوا ذلك لعموم الشعب.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»