يشهد الاتحاد الأوروبي أوقاتاً صعبة حالياً، فالأنباء الواردة من بريطانيا تبعث على مزيد من الاكتئاب يومياً. وإيطالياً تحكمها حكومة متمردة تبحث عن مواجهة مفتوحة مع فرنسا. أما المجر وبولندا فتتحركان ببطء صوب الاستبداد. ونحن نتجه صوب انتخابات أوروبية في مايو المقبل قد تتمخض عن مزيد من المكاسب للأحزاب الشعبوية.
لذا، من المشوّق أن نرى بصيص أمل في اتفاق بين ألمانيا وفرنسا، اللتان أعلنتا في الـ22 من فبراير المنصرم عن ميزانية منطقة اليورو. وربما تتولى كل من باريس وبرلين، بعد سنوات من التأجيل، زمام المبادرة لتغيير مسار التفكك الأوروبي بإيقاع بطيء لا يتوقف.
لكن لم يستمر الأمر طويلاً. وبغض النظر عن الاتفاق الأخير، تزايدت الخلافات بين فرنسا وألمانيا، وكلتاهما من القوى المؤسسة للاتحاد الأوروبي ومن أقوى أعضائه. وهذا الاختلاف تدفعه جزئياً الاختلافات بشأن المقترحات السياسية الراسخة. لكن المشكلة العسيرة الكبرى هي الاختلاف الجوهري في رؤيتهما لأوروبا.
ولأن هذه هي أوروبا، فإن كلتا الدولتين بذلتا قصارى جهدهما لإخفاء خلافاتهما في استعراضات لفظية بشأن الوحدة. وفي نوفمبر الماضي، وقف الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» أمام البرلمان الألماني «البوندستاج» للإدلاء بخطاب بمناسبة الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى، ولم يخف الأمر، إذ وصف العلاقة الألمانية الفرنسية بأنها «علاقة حب».. حب أنجبته كوارث القرن العشرين. وفي الـ22 من يناير الماضي، حدّث البلدان معاهدة الإليزيه المبرمة بينهما عام 1963، والتي أعلنت عصراً جديداً من التعامل بين العدوتين السابقتين.
يبدو أن ألمانيا كانت مسرورة بتبني وجهة النظر الفرنسية بشأن أوروبا، والتي طرحها «ماكرون» في خطابه بجامعة السوربون في سبتمبر 2017: فكرة «أوروبا ذات سيادة» معمقة ولديها سياسيات دفاعية وخارجية مشتركة وقوية، «أوروبا قادرة على حماية مواطنيها».
ويعتقد «ماكرون»، ويبدو أن ألمانيا تشاركه الرأي، أن انتهاكات القرن العشرين لم تعد كافية لتبرير جهود تكامل أوروبا، لاسيما مبدأ الاتحاد الفرانكو ألماني المقدس. ودعا الرئيس الفرنسي أثناء خطابه في مدينة «آخن» الألمانية في يناير الماضي، إلى إجراء مصالحة فعلية في «دول أوروبا التي كانت متحاربة في السابق». وتتفق الدولتان على أن كثيراً من التهديدات الأمنية لأوروبا حالياً تأتي من خارج حدود القارة العجوز: الإرهاب، المنافسة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، والتدخلات الروسية في الانتخابات الأوروبية.
لكن حين يتعلق الأمر بشيء أكثر من مجرّد الحديث، تتزايد الفجوة بين البلدين أكثر من ذي قبل. وفيما يلي أمثلة على الاختلافات بين ألمانيا وفرنسا:
ثمة خلاف عميق بينهما حول الاستراتيجية الخاصة بمحادثات التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا، برغم اقتراب موعد تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات الأوروبية. وكذلك التوترات التي سبقت التوافق في اللحظة الأخيرة بشأن مشروع خط أنابيب نوردستريم 2 الروسي المثير للجدل.
وفي العلن، تجمع «ماكرون» والمستشارة الألمانية ميركل علاقات ودية، لكن مقاومة ألمانيا لرؤية ماكرون من أجل اتفاق أوروبي جديد، تعني أنه حتى الآن سيستمر الخلاف بين البلدين.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»