ثمة ارتفاع في حالات إنهاء الحياة الزوجية بطلب المرأة، ويأتي هذا الطلب إما بموقفٍ منها لا رجعة فيه على تطليقها، فيبادر الزوج إلى الطلاق «الودّي»، تجنباً للدخول في معركة قضائية، فإذا امتنع عن الطلاق، أو اشترط لإيقاعه شروطاً لا تقبلها المرأة، يتخذ طلبها شكل الدعوى القضائية، وهي إما أن تكون دعوى تفريق للضرر والشقاق تطلب فيها تطليقها منه مع احتفاظها بحقوقها كافة، أو تكون دعوى خلع تطلب فيها خلعه مقابل تعويضه، وتنازلها عن بعض حقوقها.
ويلقي بعضهم باللائمة في هذا على قوانين الأحوال الشخصية، ويرون أنها «تحابي» الزوجة، رغم أن هذه القوانين مستمدةٌ من الشريعة الإسلامية. وبعضهم يوجّه أصابع اللوم إلى المحامين، بزعم أنهم يأخذون بيد المرأة في سعيها للطلاق بدوافع مادية، وهو مجرد كلام مصدره الأفلام والمسلسلات، إذ الكثير من حالات الطلاق بإصرار المرأة تقع خارج المحاكم، والكثير من قضايا الطلاق يسير فيها الطرفان من دون محامين، بل هناك قضايا المحامي فيها يمثّل الزوج لا الزوجة.

وفي اعتقادي أن أسباب طلب المرأة إنهاء العلاقة الزوجية هي الأسباب ذاتها التي كانت تجعل منها زوجة تعيسة في السابق، لكن لم يكن الطلاق وارداً آنذاك، أو كان آخر الحلول، ولم يصبح الطلاق خياراً مطروحاً اليوم بسبب القوانين أو بسبب المحامين، بل لأن المرأة لم تعد «تتبهدل» بالطلاق كما كان يحصل معها في السابق، فواقع الحياة قد تغيّر، وصارت الظروف مؤاتية أكثر للمرأة بأن تمضي في حياتها بعيداً عن زوج يسبّب لها التعاسة. وليست أحوال المرأة «الجيدة» بعد الطلاق هي العامل الوحيد في طرح خيار الطلاق أكثر مما كان مطروحاً في السابق، فمفاهيم النساء تبدّلت بشكل عام، وهذا يحتاج إلى حديث منفصل لا يسعه هذا المقال.
وبطبيعة الحال، هناك زيجات تذهب مع الريح بسبب يعود إلى الزوجة، أو بسبب يعود إلى الطرفين، وما أتحدث عنه هنا هو عُرى العلاقات الزوجية التي تنفصم بسبب يعود إلى سلوك وتصرفات الأزواج، وتوضيح أن المرأة كانت تصبر بالأمس على الزوج السيئ، لأن الطلاق كان خياراً أسوأ من احتمال هكذا زوج وتمضية العمر معه على صفيح ساخن، ولم يعد الطلاق بهذا السوء على المرأة في وقتنا الحالي.
ويلعب العامل المادي الدور الأهم في تحسّن ظروف المرأة بعد الطلاق، سواء أكانت المرأة عاملة تتقاضى أجراً جيداً يمكّنها من العيش من دون الاعتماد على أحد، أو كانت المرأة غير عاملة لكن يمكنها الاعتماد مادياً على والديها، أو أبنائها، أو على النفقات التي سُيلزم بها طليقها، وهم جميعاً تحسنت ظروفهم المادية نتيجة ارتفاع مستوى المعيشة، وزيادة الدخول في دول الخليج عمّا كان عليه الوضع قبل عقود. هذا فضلاً عن أسباب المعيشة التي قد توفرها الدولة للمرأة المطلقة في بعض الحالات، حتى لم يعد شبح الحاجة يتراقص أمام المرأة كلما فكّرت في إنهاء علاقتها بزوج يحطّم لها قلبها.