مع احتفال طهران بالذكرى الأربعين للثورة الخمينية، يتساءل كثير من الإيرانيين، عمّا إذا كان الوقت قد حان لكي يبدِّل نظام الملالي عمامته، من ثورته الدينية بولاية الفقيه إلى دولة مدنية وطنية، مثل بقية الثورات في العالم، وكما حدث في روسيا بعد اندلاع الثورة البلشفية التي حولتها إلى دولة صناعية، فصارت إحدى القوى العالمية العظمى، كما تمكنت الثورة الصينية من إحراز نجاحات بارزة في عقود أربعة من عمرها فاتخذت الصين مساراً خاصاً لتصبح قوة اقتصادية كبرى بحلول عام 2019. وخلافاً للثورتين الروسية والصينية، فإن الثورة الخمينية في إيران تخلفت بالبلاد وصارت في عهدها أكثر فقراً (بالقياس لما كانت عليه في ظل نظام الشاه)، وأخفقت في تصدير نموذجها الثوري رغم قيامها بإنشاء ميليشيات في بلدان عربية توالي «مرشد الثورة»، ورغم زرعها خلايا إرهابية في بعض الدول الأوروبية تم كشفها أخيراً!
وبعد أربعة عقود من عمر ثورة الخميني، لم يجن الشعب الإيراني من ثورة الملالي ونظامها سوى الانكسار والفقر والفاقة والقهر، بينما يتم توزيع ثرواته في الخارج، حيث يستثمر الملالي في صناعة الإرهاب والفوضى في الدول العربية، كما هو حاصل في لبنان («حزب الله») واليمن (الحوثيون)، وبلغ هذا التورط الخارجي ذروته مع الفاجعة السورية المتواصلة منذ ثماني سنوات، حيث يستمر القتل والتهجير والتنكيل بحق لشعب السوريين. ومن خلال استمرار الحرب هناك، يريد ملالي إيران ضمان بقائهم، وأن يثبتوا لنظام الأسد أنهم صمام الأمان له، لذا فهم يقفون ضد أي حل سياسي يعيد لسوريا أمنها ووحدتها، كما يقفون عائقاً في وجه عودة السوريين إلى مدنهم وبلداتهم وبيوتهم!
ما تقدم من مأساة تراجيدية، يوضح كيف تتماهى إيران مع أساطيرها الزرادشتية، خاصة «إله الشر» وقد تجلى في نظام الملالي، وهو يقف ضد ظهور «إله الخير» الذي يأتي ليبدد الظلام متمثلاً في نظام ولاية الفقيه طوال أربعة عقود فرضه خلالها على المجتمع الإيراني، المجتمع الذي ما برح يكابد صنوف الشر من جوع وفاقة وفساد وقهر!
إن التنازع بين الثورة والدولة في إيران له مفاعيله السلبية الكثيرة، حيث يتعارض نظامها الديني مع النظام الدولي، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط تشهد حقبةً جديدة بتحولاتها في تواؤم مع تشكّل نظام دولي جديد، بإرهاصات ما بعد عالم «داعش» وما بعد مؤتمر وارسو الذي أظهر عزلة إيران.
وفي سياق التسوية السياسية في سوريا، ومبادرة السلام العربي الإسرائيلي، يستدعي الأمر وقف إيران عن مد نفوذها التخريبي، وعن الاستمرار في مزايداتها على أصحاب القضية الفلسطينية، كما يتطلب من الأطراف كافة استيعاب «الحقبة الجديدة»، وهي حقبة لا مكان فيها لدولة دينية، كما لا دور فيها لتيارات وفصائل الإسلام السياسي، سنّيةً كانت أم شيعية.
ومع الاحتجاجات التي يشهدها الشارع الإيراني ضد نظام المرشد، وقد تم رفدها بانتفاضة «البازار» لأول مرة، علاوة على تململات مسلحة في مناطق تعيش «المظلومية» جراء تهميش النظام لها، إلى جانب العقوبات الأميركية القاسية والمتصاعدة.. فإن كل ذلك مجتمعاً سيؤدي إلى خلخلة النظام من الداخل، دون المواجهة العسكرية التي يفضلها لمنحه «خروجاً مشرّفاً» من خلال مفاوضات تلي المواجهة العسكرية، لتشكل غطاءً شرعياً لأي صيغة تجبر طهران في نهاية المطاف على تغيير سلوكها، لتُغلّب منطق الدولة على منطق الثورة!
أعتقد أن نظام الملالي لن يخطئ في قراءة الحقبة الجديدة على غرار ما فعل صدام حسين. ولا ننسى أن الأميركيين يحنون لماضي علاقاتهم ومصالحهم مع إيران، لذلك لن يتركوا الأوربيين ينفردون بها!