كنت أعتقد دائماً أن الأميركيين سيجتمعون على قلب رجل واحد عندما يدركون أنهم يواجهون عدوّاً خارجياً خطيراً. ودعوني أؤكد لكم أننا اليوم لدينا هذا العدو: إنه الصين. فقد أصبح من الواضح جلياً أن الصين تشكل تهديداً اقتصادياً وتكنولوجياً وفكرياً خطيراً على الولايات المتحدة والنظام العالمي.
وبعيداً عن عواصف البرامج السياسية اليومية على التلفاز، بدأ الأميركيون يتحدون سوياً. فنائب الرئيس «مايك بنس» والسيناتور الديمقراطية «إليزابيث وارين» يتشابهان بصورة صادمة عند الحديث عن السياسات الاقتصادية الصينية. وزعيمة الأغلبية في مجلس النواب «نانسي بيلوسي» تتشابه مع الجمهوريين على غير المعهود عندما تتحدث عن حقوق الإنسان في الصين. ويمكن أن يبدو المفكرون السياسيون، ليبراليين ومحافظين، متماثلين عندما يبدؤون الحديث عن كيفية مجابهة التهديدات التي تمثلها الصين.
وخلال العقود القليلة الماضية، بدت الصين قوة إيجابية تماماً في الشؤون العالمية، وبالطبع، انتهكت بكين الاتفاقيات التجارية والتوترات الإقليمية المتفاقمة. لكن التوسع الاقتصادي الصيني قلّص من تكلفة المعيشة الأميركية ووسّع نطاق الازدهار في أرجاء العالم.
لكن هناك بعض الأمور قد تغيرت الآن.
أولاً: بدلاً من التحرر، أصبح النظام الصيني أكثر تشدداً في سياساته.
ثانياً: غيّر الصينيون تركيزهم الاقتصادي بحيث أصبح من الممكن أن يحل اقتصادهم محلّ اقتصادنا.
وبحسب تقرير حديث أصدره السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا «ماركو روبيو»، رئيس لجنة مجلس الشيوخ بشأن الشركات الصغيرة وريادة الأعمال، حقق قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين نمواً بنسبة 67% مقارنة بالعام الماضي، وأصدرت الشركات براءات اختراع أكثر من نظيرتها الأميركية.
ولو أن تلك الإنجازات كانت من خلال المنافسة الشريفة، لكانت مستحقة. لكنها تحققت عبر سرقة حقوق الملكية الفكرية. وتوصّلت لجنة قادها الجنرال المتقاعد «دينيس بلير» والسفير الأميركي السابق لدى الصين «جون هانتسمان»، في 2017، إلى أن الخسائر السنوية التي يتكبدها الاقتصاد الأميركي بسبب السرقات الصينية لحقوق الملكية الفكرية تتراوح بين 225 مليارا و600 مليار دولار.
وإلى ذلك، تحاول بكين السيطرة على مراكز تحكم في الاقتصاد التكنولوجي الجديد. ولو استطاعت وضع نموذج لاتصالات الجيل الخامس والهيمنة على الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، فستتمكن من صياغة القواعد واختراق أنسجة مجتمعنا وحياتنا بطريقة لا يمكن مواكبتها.
لم يعد التحدي الصيني اقتصادياً فحسب، وإنما أخلاقي وفكري كذلك. فهو صراع بين نظامي قيم.
كنا نتصور أن الصين ستتحول إلى ديمقراطية، وأن النظام سيصبح ليبرالياً وأن الشعب الصيني ينضم إلى العالم الديمقراطي الحر، لكن ثبت خطأ تلك التصورات كلها.
ومثلما يشير «وينفانغ تانغ» في مقاله الرائع المنشور في دورية «أميركان أفيرز»، فإنه «لدى الشعب الصيني ثقة في مؤسساته الحاكمة أكثر من الشعب الأميركي». وفي دراسة منشورة عام 2008، أكد 78% من الصينيين أن الحكومة تلبي احتياجاتهم مقارنة بـ33% من اليابانيين و21% من الكوريين الجنوبيين.
والسؤال الكبير هو كيف نرد على التهديد الذي تُشكّله الصين؟
اعتاد «الجمهوريون» من أنصار الأسواق الحرة الدفاع عن السياسات الصناعية، لاسيما التدخل الحكومي الشديد لدعم القطاعات الرئيسية، في مواجهة التهديد الصيني، لكن تفكير النخبة بدأ يتغير تغييراً جذرياً.
ولعل أكبر تغيير سيتعلق بالهوية الأميركية. وكما يؤكد الكاتب «ريحان سلام» في دورية «ذي أتلانتيك»، فإنه إذا كانت الصين هي «الآخر»، فـ«من نحن»؟ وكيف يوحدنا التهديد الذي تشكله؟

*كاتب أميركي

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/02/14/opinion/china-economy.html
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»