قبل نحو نصف عقد من الزمان، قام متشددون إسلاميون بهدم أسوار ممتدة على طول الحدود العراقية – السورية. ووصفوا هذا العمل بأنه إزالة للخط الذي رسمته القوى الاستعمارية الأوروبية قبل قرن من الزمان، وهي حدود مصطنعة سيتم تحطيمها تحت «دولة الخلافة» الدينية الجديدة في الشرق الأوسط.
في ذلك الوقت، سيطر تنظيم «داعش» على منطقة واسعة من الأراضي، تمتد من ضواحي حلب في الغرب إلى الموصل في الشرق. واستغلوا هشاشة الحكومتين العراقية والسورية، وقاموا – من خلال العنف الوحشي والقسر –بدمج إقطاعية جديدة وسط نزاعات المنطقة. وقاموا بإدارة المدارس والمستشفيات، وجمعوا الضرائب وسكوا العملة الخاصة بهم. كما نفذوا أيضا عمليات إعدام جماعية، واستعبدوا النساء ونهبوا ودمروا بعضٍ من أكثر المواقع القديمة قيمة في العالم.
ولكن «الخلافة» المزعومة تقترب الآن من نهايتها، وتقلصت أمام نفس الحدود التي ظنت أنها يمكن إلغاؤها. وكتبت «لويزا لوفلاك» في صحيفة واشنطن بوست «في الأسبوع الماضي، لم يعد هناك سوى طريق واحد للخروج من داعش». كانت تعد تقريراً بالقرب من مدينة «باغوز»، على طول الحدود العراقية، حيث قامت القوات المدعومة من الولايات المتحدة بمحاصرة ما يعتقد أنه آخر البقايا المتماسكة لـ «داعش» –ما يقدر بـ 300 محارب منكمشين في «خيام صغيرة».
ولكن بمجرد سقوط هذا المعقل الأخير، ستكون هناك صراعات عديدة. فالرئيس ترامب يصر على أن هزيمة «داعش» ستدفع بالانسحاب الأميركي السريع من سوريا. ويشعر كبار المسؤولين في واشنطن بالقلق من أن تعيد عناصر التنظيم ترتيب صفوفها، في ظل وجود فراغ أمني جديد. وهم يشيرون إلى الحفاظ على وجود عسكري أميركي مع الاستثمار في إعادة إعمار المنطقة التي خيمت عليها الحرب.
كما تدور أسئلة حول مصير مئات المجندين والمقاتلين الأجانب في «داعش»، والعديد منهم يحمل جوازات سفر أوروبية. وقد هدد ترامب على «تويتر» بالإفراج عن جميع هؤلاء المعتقلين في حال لم تتمكن أوروبا من ترحيلهم بسرعة. لكن المسؤولين الأوروبيين اعترضوا على طلب ترامب، مشيرين إلى صعوبات تعتري التحقيق في جرائمهم المزعومة أثناء العمل مع «داعش»، وكذلك مخاطر تطرفهم عند عودتهم إلى أوطانهم.
كما أشارت الحكومة البريطانية، يوم الثلاثاء الماضي، إلى أنها ستتخذ مساراً آخر: فهي تخطط لإلغاء جنسية «شاميما بيجوم»، وهي أم تبلغ من العمر 19 عاماً وطالبة بريطانية سابقة عُثر عليها مؤخراً في مخيم للاجئين. وقد حذر النقاد من القرار البريطاني بإلغاء جنسية بيجوم –وهي خطوة ممكنة لأنها تحمل جنسية بريطانية بنجلاديشية مزدوجة – سيخلق سابقة مزعجة في الغرب. وبالنسبة للسكان المحليين المتضررين من حكم «داعش»، أصبحت المشاكل أكثر خطورة. وتحذر جماعات الإغاثة من النقص الحاد في التمويل اللازم للمساعدة في توفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية، وكذلك المساعدة في مشاريع إعادة الإعمار.
ولم يظهر ترامب اهتماماً يذكر بالمساعدة على إعادة البناء بعد سنوات من القصف الأميركي المدمر ضد مواقع «داعش» في العراق وسوريا. ومع وجود أعداد لا حصر لها من الجثث التي لا تزال عالقة في أنقاض مدن مثل الرقة والموصل، وحتى مع وجود عشرات الآلاف من المدنيين العالقين في الحرب السورية، كثيرا ما يشكو الرئيس من استمرار التدخل الأميركي في الصراع يحث الشركاء الآخرين في الشرق الأوسط وأوروبا لتحريره من هذا العبء.
* كاتب أميركي متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»