نائب الرئيس الأميركي مايك بنس شارك في المنتدى الرئيسي لمؤتمر ميونيخ للأمن يوم السبت الماضي – وهو فعالية تعود جذورها إلى زمن الحرب الباردة – لإلقاء خطاب بعيد كل البعد عن هموم متلقيه، وغريب جداً لدرجة أن جمهوره المستهدَف لا يمكن أن يكون هو الجمهور الذي كان حاضراً في القاعة.
جزء من مشكلة «بنس» هو السياق الجديد. فقبل عامين، عندما تحدث في المنتدى نفسه، كان كثيرون في أوروبا ما زالوا يأملون في العمل مع إدارة ترامب. آنذاك تضمن خطابه إعادة التأكيد على الالتزام الأميركي تجاه أوروبا، ولكن الأوربيين شعروا بارتياح كبير لسماعه لدرجة أنهم قرروا تصديقه عموماً. ولكنهم اليوم لا يصدقونه. في فعالية جانبية أقيمت تكريماً للسيناتور الأميركي الراحل «جون ماكين»، الذي كان بمثابة الروح المحركة لمؤتمر ميونيخ على مدى عقود، قال بنس: «إنني أنقل لكم تحيات رئيس الولايات المتحدة الخامس والأربعين، الرئيس دونالد ترامب». ثم انتظر تصفيفات، ولكنه لم يحصل على أي منها.
بيد أن خطاب بنس أشار إلى الرئيس الأميركي كـ«مدافع عن الحرية» و«زعيم العالم الحر».
وهذا ليس مفاجئاً، ذلك أن السياسة الخارجية لهذه الإدارة لم تعد لها أي علاقة مع الأشخاص الموجودين في قاعة المؤتمر منذ زمن طويل. فقبل زيارة بنس لميونخ، كان قد حضر مع وزير الخارجية مايك بومبيو مؤتمراً حول الشرق الأوسط في وارسو كان هدفه الرئيس، حسب ما يرى الجميع، هو دعم حملة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعادة الانتخاب قبل الانتخابات في 9 أبريل. وعلى ما يفترض، فإن مستشار البيت الأبيض جارد كوشنر منهمك في العمل على «خطة سلام» سرياليةٍ للشرق الأوسط، يقوم بتحضيرها صهر الرئيس الأميركي سراً، ومن دون مشاركة فلسطينية على ما يبدو.
هذه الجهود الغريبة من قبل كوشنر وبومبيو وبنس تُبقي عليهم داخل الدائرة الداخلية للرئيس الأميركي، وربما تُسعد بضعة متبرعين وداعمين وُتحمّسهم. وفي الأثناء، بدت السفارة الأميركية مصممة على منع وفد الكونجرس من الالتقاء مع كثير من الألمان في ميونيخ، إذ ألغت حضور أعضاء الوفد في الاجتماعات والعشاءات السنوية التي يحضرونها تقليدياً. ولهذا، فإن الحاضرين في المؤتمر لم يعرفوا ما إن كان ينبغي أن يشعروا بالإهانة أو يضحكوا فحسب.
لا شك أنهم توقفوا عن مداهنة إدارةٍ أظهرت أنها تفضّل أصدقاءها غير الديمقراطيين على أقدم حلفائها. فلا فائدة من زيارات الدولة اللطيفة، بل من الأفضل التحدث بصراحة، وصباح يوم السبت، فعلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ذلك بالضبط، إذ سخرت من فكرة أن السيارات الألمانية المصنوعة في ولاية كارولاينا الجنوبية يمكن أن تكون «تهديداً أمنياً» للولايات المتحدة، مثلما ألمحت لذلك إدارة ترامب المنغمسة في فرض التعرفات الجمركية. وقالت إن سحب القوات الأميركية من سوريا لن ينشر الحرية، وإنما «سيقوّي موقفَ روسيا وإيران».
وعلى غرار أوروبيين آخرين، رفضت ميركل الاستجابة لدعوة «بنس» إلى إعادة فرض عقوبات على إيران. فقد تعلّم الزعماء الأوروبيون ألا فائدة في السعي وراء اتفاق مع ترامب، لأنه لا يقيم وزناً لمن يفعلون ذلك. ولهذا، بدا خطاب «بنس»، في النهاية، نغماً نشازاً: فأميركا لا يمكنها أن تكون المدافعة عن «الحرية» أو «زعيمة العالم الحر» إذا كان العالم الحر – الذي أهين من قبل الرئيس الأميركي، وتعرض للتعالي من قبل نوابه – يرفض اتباعها.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»